الزمن.. الجسد.. الروح

 

يحيى الناعبي

يعيش الإنسان حالات الغموض المُتعلقة بالمصطلحات الثلاث، الزمن والجسد والروح. لكل مصطلح من هذه المصطلحات فلسفته الخاصة إلا أنه وفي نهاية المطاف يبقى حالة محيرة في التركيبة الإنسانية والعقل البشري مسبباً جدلاً كبيراً بين المفكرين والفلاسفة والأطباء النفسيين لم يتم الاتفاق حول خصائص كل منها. 

الزمن

في الحالة التي يمارس فيها البشر حالاتهم السلوكية في الإطار الزمني، يصبحون تحت قدر المواعيد وهذا ما يخلق فيهم المشاعر المتناقضة يرأسها القلق. استطاع الزمن أن يقيد تصرفات البشر وأن تكون تحت سيطرته من خلال انتظار القادم أو العودة للماضي، وبالتالي غيب الإنسان فكرة التعايش مع اللحظة وإدراكها. كل شيء مرتبط بالزمن، حالات السعادة والحزن وحتى الفراغ كان للزمن نصيب كبير معه، لأننا قسّمنا الزمن في منظومة حياتنا اليومية وأطّرناها بأرقامه. والشعور بالزمن مرتبط بالقلق الوجودي، حتى في حالة السعادة القصوى التي يسعى الفرد أن يبلغها يعمل الزمن في المُقابل على سرقته منها طالما أنها خاضعة لفيزياء الزمن. لذلك فإنَّ حالات الأمل للمستقبل والحنين إلى الماضي، هي تراكيب وضعها الإنسان مما ساعد ذلك على ارتفاع معدل التوتر والقلق لديه. كذلك أثرت على عدم إدراك الحاضر الذي هو يمثل في الأساس القيمة الفعلية في حياة الإنسان. تسعى العلوم النفسية جاهدة إلى تشجيع الفرد منّا على أن يمارس حياة اللحظة كنوع من العلاج النفسي. تخيل كيف تكون حياة الفرد لو اجتر نفسه نحو اللحظة وترك عالم الماضي والمستقبل.

يقول الشاعر الإنجليزي روبيرت هيريك:

تجمعن أيتها البراعم، كما أنتن

فالزمن الغابر لا يزال محلقًا

الزهرة المبتسمة،

هي نفسها

ستموت غدًا.  

الجسد

الجسد، هذه المادة المكونة من تراكيب معقدة يشي الظاهر منها لوحة غارقة في الملذات وإشباع الرغبات. لذلك جعل سقراط من الموت مطلبا رئيسيا طالما أنه سيُحرر النفس من سجن الجسد. إن الجسد البشري عالة كبيرة في حياة الإنسان كلية نظرا لمتطلباته وانتكاساته، وربما أشغلت الملذات والغرائز التي يشعلها الجسد الجانب الفكري والتأمل في الاهتمام بها وخلق التوتر فيبعد الذهن عن التفكير فيما هو أعمق من الملذات. إنَّ الارتباط العضوي للجسد بالكون هو محور الشر. بالتالي لم تستطيع التعاليم السماوية والوضعية أن تمنع عنصر الشر في الأرض وبقي عالم الخراب يجول بين البشر. والغريب في الأمر أنَّ الملذات والغرائز البشرية في مقياسها الزمني قصيرة جدًا لتتحول إلى حالة الإشباع بالمفهوم الطبيعي للإشباع أو التشبّع، لكن نظراً لتأثير هذه الغرائز على الفكر الضيق عند البشر استطاعت أن تحّول طبيعتها من مرحلة لحظية مؤقتة إلى إدمان وهستيريا لا يحدّها حدّ. لذلك تباينت النظريات الفلسفية حول تأثير الجسد على العقل والعكس صحيح. لكن عند العودة إلى التفاصيل الأولى نجد أن منبع اللذة هو الجسد وبالتالي يأتي العقل مبرمجا مطورا للبلوغ إلى الحالات القصوى كما هو في النظرية التفاعلية التي أميل إلى واقعيتها أكثر من الثنائية الديكارتية في فصلهما عن بعض وعلى أنهما شيئان متمايزان ومنفصلان.     

الروح  

هذا الجزء الأكثر غموضًا في حياة الإنسان وما بعدها والذي يدخل في عالم الماورائيات. لكن القرآن الكريم وضع حدا حول مسألة الروح في الآية الكريمة: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا). وبالرغم من الاتفاق حول غموض الروح على أنها خارج نطاق التفكير في المعتقد الإسلامي. إلا أنَّ العالم انشغل كثيرا بمرور الزمن حول فكرة الجسد الأثيري والتجارب التي فسّرت الحالات التي يخرج فيها الجسد الأثيري عن الجسد المادي؛ حيث إن الروح هي الطاقة الكونية التي تحفظ الجسد المادي في تماسكه. ولن ندخل في البحث بالجوانب الدينية حول هذا الموضوع. لكن ما لفت الانتباه عند الاستماع للذين قاربوا لحظة الموت أو ذلك الفاصل الزمني بين خروج الروح وعودتها، كانوا يصفون تلك الحالة التي مروا بها مليئة بالسعادة والمشاعر الخالية من أي مكّدر، كالذي نعيشه في الحياة، لذلك يعلق بعضهم تمنينا لو لم نعد مرة أخرى. لذلك خرجت الكثير من الكتب الفكرية والنفسية والأدبية والتي من بينها شهرة كتاب "life after life" لمؤلفه الطبيب النفسي والفيلسوف ريموند مودي، الذي اشتهر بكتبه المتعلقة بتجارب الحياة الأخرى والقرب من الموت.