سارة البريكية
المشهد قبل عام.. الشخوص: اثنان، الموقع: محافظة مسقط، الوقت: الثامنة مساء، العيون تتجه نحو السماء التي امتلأت بالألعاب النارية ابتهاجًا بالعيد الوطني المجيد، وفي مشهد موازٍ هناك كوب شاي ساخن، وشاشةً "لاب توب" تعيسة، وبُعد قاتل يضج بالروح، ومنزل صديقتي الجميلة التي حاولت جاهدة ضبط شاشة الحاسب الآلي المتنقل، وبعد جهد واضح كان العطل الآخر من الشبكة، وأخذ الإنترنت في حالة شد وجذب.
بدأت الأمسية الافتراضية وأنا لم اتصل بالشبكة، ثم اتصلوا بي على الجانب الآخر: "أينك سارة أينك سارة؟!" أجبت: "دقائق"، ولكن كل شيء كان يمشي عكس التيار، فأبدت صديقتي الجميلة رغبتها في مساعدتي وأعطتني هاتفها، فاتصلت من خلاله برابط الأمسية الافتراضية السعيدة. في العام الذي سبقه، وتحديدًا في العيد الوطني التاسع والأربعين المجيد، وسيدي الخالد في قلوبنا السلطان قابوس، يتوجه إلى قاعدة سعيد بن سلطان البحرية، كنتُ في الطرف الآخر اتجه إلى ولاية المصنعة لحضور آخر أمسية حضورية لي قبل عصر الكورونا، وقبل إعصار الفقد الكبير وقبل إعصار رحيله المُفجع، مضت الأمسية بشعور جميل وبحزن يخالطه خوف، كان قلبي ليس معي وقتها، فحظي لم يسعفني لحضور العرض العسكري، فالوقت نفسه لتواجدي في الأمسية، لكن قلبي كان هناك في قاعدة سعيد بن سلطان البحرية؛ لأنني وأنا في الطريق برفقة والدي كنت قد فتحت البث المباشر في هاتفي ورأيته وحزنت، لكنه كان شامخا عظيما رغم المرض انتهت الأمسية وعدت إلى المنزل وعند وصولي وجدت في استقبالي عند باب المنزل قطة ذهبية هكذا اسميتها "ذهبية" فهي لا تزال برفقتي إلى هذا اليوم ذهبية هي واحدة من الذكريات الجميلة من العهد السعيد، فكل مرة انظر إليها ينتابني إحساس غريب، وربما لأنها منذ أتت إليّ لم تغادرني وبقيت وفية.
قبل سنوات بعيدة كنت أتدرب لفقرة مدرسية احتفاءً بالعيد الوطني المجيد، وكنت كل يوم أتدرب بحب وانتظر اللحظة التي سوف أقوم بتلك الفقرة، وذلك النشيد الجميل، لكن في يوم العرض تم تطعيمي في المدرسة، ولا أذكر لماذا، لكنني رغم ذلك كنت انتظر لحظة الحفل، إلا أن والدي حضر إلى المدرسة وأخذني منها، وكنت حزينة: "لماذا يا أبي؟ لماذا أخذتني؟ وأنا اليوم سوف أقدم فقرتي"، إلا أنه ظل صامتًا، وقال هذه هي المُفاجأة، فقد وصلنا إلى مجمع السلطان قابوس الرياضي سوف يحضر صاحب الجلالة وسوف نراه وسوف يلقي كلمته احتفاء بالعيد الوطني المجيد، وأنا صاحبة الست أعوام، كانت فرحتي كبيرة ونسيت حزن أنني لن أقدم فقرتي ونشيدي سمعت صوته وهو يلقي الخطاب السامي، رأيت المجسمات والأطفال والحفل الكبير الأنيق الذي يليق به، كانت أيام جميلة لن تعود، لكنني كنت أحس بألم إبرة التطعيم تتوغل في جسدي الصغير، فقد جلسنا لساعات طويلة وعندما حان وقت العودة وانتهى الاحتفال، لم استطع المشي فحملني والدي إلى السيارة، وكنت سعيدة لأنني حضرت الحفل الجميل بحضور السلطان الخالد في القلوب والأرواح قابوس بن سعيد رحمه الله.
ونحن نستعد لاستقبال عيدنا الوطني الواحد والخمسين المجيد بعد مسيرة حافلة من العطاء قدمها لنا مولانا الخالد نسأل الله العلي القدير أن يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته، فقد وهب عمره لعُمان وخدمة عُمان وخدمة مواطنيها والمقيمين على أراضيها وخدمة الوطن والعالم أجمع، وكان سلطان السلام وابتسامته المرسومة في قلوبنا لم تزل باقية فينا عندما تمر بالأذهان نبتسم ونسعد لا يخفى على أي أحد الظروف الاستثنائية التي مرَّت بها البلاد والعالم أجمع.. فمنذ الحادي عشر من يناير لم يعد الحال كما كان فالشعب اليتيم والحزين بفقد والده سعيد جدًا بوجود سلطانه العظيم الفذ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأبقاه زخرًا لنا جميعًا، فهو- أيده الله- من أوصى به حبيب الشعب، ونسأل الله العلي القدير أن يحفظ جلالة السلطان هيثم المُعظم، ويوفقه لخدمة هذا البلد العزيز على قلوبنا جميعاً.. وكل عام وأنتم بألف خير.