قراءة تحليلية لخطاب أمير دولة قطر

 

تعزيز المواطنة القطرية المتساوية

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري **

 

جاء خطاب سُّمو أمير دولة قطر جامعًا شاملًا لكافة الأوضاع الداخلية والخارجية، في افتتاح سُّموه لدور الانعقاد الأول لمجلس الشورى القطري المنتخب.. جاء خطابه السامي معبرًا عن آمال وتطلعات الشعب القطري إلى غد أفضل يستحقه وطنهم، وبلسماً يداوي جروح نفوس لم تشارك في انتخابات الشورى.

جاء الخطاب بعد أن استكملت دولة قطر مؤسساتها الدستورية بقيام المجلس المنتخب، محدداً ملامح الفترة المقبلة والخطوط العريضة لها، بوصلة هادية لعمل الحكومة والمجلس الجديد، وخريطة طريق مرشدة لرسم الخطط المستقبلية ضمن الاستراتيجية الثالثة في رؤية "قطر الوطنية 2030".

وإذ هنأ سُّموه أعضاء المجلس بفوزهم بثقة الناخبين، فإنه أشاد بجهود المجلس السابق، وثمن حسن سير وتنظيم الانتخابات والأجواء الحضارية التي سادتها، واستعرض نجاحات الدولة في تحقيق أهداف: الاكتفاء الذاتي في الأمن الغذائي، زيادة الاستثمارات الأجنبية المُباشرة، تسهيل المعاملات التجارية، تعزيز المنافسة، حماية المستهلك، تشجيع الاستثمار الصناعي، المحافظة على الترتيب الائتماني لدى المؤسسات العالمية، وعلى نمو الاحتياطات الدولية وسعر صرف الريال، وعلى مكانة متقدمة في مؤشرات التنافسية العالمية، انخفاض نسبة البطالة ومعدل التضخم، تمويل التطور التقني والأمن السيبراني، نجاح المؤسسات الصحية في اختبار كورونا الصعب بتقديم نموذج وازن بين صحة الناس وضرورات الاقتصاد، تغيير اسم قطر للبترول إلى قطر للطاقة مواكبة للطاقة النظيفة والمتجددة وحفاظاً على البيئة.

كان من نتائج هذه الإنجازات الارتفاع السريع في مستوى المعيشة، وهذا فرض تحديات جديدة حذر منها سًّموه مثل: مخاطر هيمنة القيم الاستهلاكية على قيمة العمل المنتج، واستسهال الاستدانة لأغراض عابرة، والاتكالية على الدولة، ما أضعف قيم المواطنة والمسؤولية الوطنية، وأعطى صورة سلبية عن القطري.

وإذ شخص- حفظه الله- الداء الاستهلاكي فإنه وضع إصبعه على الدواء، حينما ذكر أن هذه مهمة لاتنجز بالوعظ والخطابات؛ بل عبر المؤسسات المعنية: التربية والتعليم والإعلام والخدمة الوطنية، والأسرة في ألا تعتمد على الغير في تربية أطفالها. وقد صدق.

تعزيز المواطنة القطرية المتساوية

لا أستطيع الإحاطة بكل مضامين الخطاب الكريم، خاصة فيما ذكره سُّموه عن تقييم ما حققته الاستراتيجيات السابقة للاستفادة من دروسها في إعداد الاستراتيجية الوطنية الثالثة، لكني أتناول ما أدخل ارتياحاً واسعاً في نفوس المواطنين وكان له أصداء عربية وعالمية إيجابية واسعة.

وإذ أشار سموه إلى أن التشريعات، بمافيها التشريعات الدستورية الطابع مرهونة بزمنها، وهي نتاج مرحلتها التاريخية المواكبة للتطور الاجتماعي (إشارة إلى قانون الجنسية (28) لسنة 2005) فإنه أكد حرصه على تعزيز "المواطنة القطرية المتساوية"، مترجمة على أرض الواقع كعلاقة مباشرة بين المواطن والدولة في صورة حقوق وواجبات.

لذلك، خاطب سُّموه المجلس بأنه أصدر تعليماته إلى مجلس الوزراء "للعمل على إعداد التعديلات القانونية اللازمة التي تضمن تحقيق هذه الغاية وعرضها على مجلسكم الموقر" إنها كلمات من ذهب أدخلت الفرحة الغامرة في نفوس القطريين، كونها تسهم في توسيع دائرة المشاركة العامة.

وأضاف- أعزه الله- موضحًا أن المواطنة ليست مسألة قانونية فحسب؛ بل مسألة حضارية قبل ذلك، ومسألة ولاء وانتماء، ومسألة واجبات وليست حقوقا فقط. وهذا لا يتطلب عملاً تشريعياً فحسب؛ بل أيضاً اجتماعياً وتربوياً مكثقاً، ولاسيما في مكافحة تغليب العصبيات على الصالح العام أو على الولاء للوطن والوحدة الوطنية.

إنها كلمات حق وعدل، فصاحب السُّمو هنا، بحكم عظم مسؤوليته، يستشعر مكامن الخطر على الوطن والوحدة الوطنية عندما تغيب قيم الوحدة الوطنية وتحضر العصبويات (القبلية والطائفية والحزبية) المهلكة للأوطان، شواهدها اليوم دول عريقة تتحكم فيها الولاءات للعصبيات على حساب الولاء للوطن.

وإذ أشاد سُّموه بالقبيلة والعائلة الممتدة والأسرة، مكونات مجتمعية عزيزة فإنِّه شجب القبلية وكافة العصبيات البغيضة المسخرة للهدم والفوضى والمُفسِدة للوحدة الوطنية "تجاوزات قبلية سلبية حدثت مؤخرًا كانت غريبة على مجتمعنا".

وقال في كلمات حازمة وقاطعة: "لم نقبل بها ولن نسمح بها مستقبلًا"، حفظ المولى سُّمو أميرنا وحفظ وطننا قطر.

** كاتب قطري