بين سندان الإعصار ومطرقة الوباء

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

ما إن بدأت آثار جائحة كورونا تنحسر حتى هبّ إعصار "شاهين"، والذي عصف بالأخضر واليابس في ولايات شمال الباطنة الثلاث (السويق، والخابورة، وصحم)، فأصبح المُواطن- الذي كان يُعاني أصلا من الوباء- بين سندان الإعصار، ومطرقة الجائحة، فالمنازل التي تهدمت، والسيارات التي تحطمت، والمزارع التي سُحقت، والمتاجر التي تضررت، كانت شاهدة عيان على ما آلت إليه الحال في هذه الولايات، وبدأ الناس في لملمة جراح الإعصار وترميم ما أفسده شاهين.

وكان للأيادي البيضاء التي هبّت لنجدة أبناء الوطن الواحد أكبر الأثر في تخفيف وطأة الصدمة، ولم تألُ الحكومة وكثير من مؤسسات القطاع الخاص في مد يد العون للمواطنين وتقديم المساعدات المالية والعينية، وهذا ما ساعد على التقليل من الأضرار النفسية للمواطن.

ولعل قرار وزارة الإسكان بـ"تأجيل" أقساط الستة أشهر القادمة غير كافٍ- مع كل التقدير على هذا الموقف الإنساني- إذ إن الفئة التي تستفيد من هذه التسهيلات والتأجيلات فئة قليلة ومحدودة، لا تتجاوز المئات ربما، فالمعروف أن الوزارة تقدم قروضها ومساعداتها السكنية لذوي الدخل المحدود الذين لا تتجاوز رواتبهم الأربعمائة ريال إلى خمسمائة ريال- بحد أقصى- حين وصول الدور، أما فئة الضمان الاجتماعي فهي مُعفاة أصلا من السداد، بينما ما تزال الفئات الأكثر تضررا تعاني تحت رحمة البنوك التي لا ترحم.

وكان من الأجدى أن يتم دراسة حالات أصحاب القروض السكنية الحكومية الأكثر تضررا، وإعفاؤهم من سداد القرض- ولو لمدة مُعينة- وليس الاكتفاء بتأجيل القروض، كما كان على البنك المركزي أن يُلزم البنوك التجارية بتأجيل أقساط المتضررين لمدد أطول إن لم يكن هناك مجال للإعفاء من القروض بنسب مُختلفة، ولن يضر ذلك إلا نسب الأرباح السنوية للبنوك بشكل طفيف، و"تقليل" هامش ربح مجالس الإدارات فيها ولسنة واحدة فقط ليس إلا.. وهذا لا يتطلب أكثر من بعض الإيثار، وتغليب "بند الإنسانية" على "بند الربحية" من بعض أعضاء مجالس إدارات البنوك.

إنَّ ما قدمته بعض البنوك من مساعدات مالية للمتضررين لا يمثل سوى هامش بسيط من الفوائد التي تجنيها والتي يمولها المقترضون أنفسهم، وبإمكان هذه البنوك فعل أكثر مما قدمت، كما يتعين على شركات التمويل التي تموّل قروض السيارات التي اقترض منها المتضررون- وهم قليل- أن تبادر إلى مساعدات أكثر فائدة سواء من خلال تأجيل الأقساط لمدد لا تقل عن ستة أشهر، أو أن تساهم فعليًا في التخفيف من آثار الكارثة بإلغاء قروض السيارات المدمرة التي تم تمويلها من قبلهم، وهذا لن يضير الشركات شيئًا على المدى القصير، ولا يتطلب سوى التخلّي عن بعض الربحية- كما أسلفت- والتحلي بروح الوطنية والإنسانية من مجالس إداراتها.

إنَّ ما خلفه الإعصار شاهين- ومن قبله جائحة كورونا- على المستوى النفسي والمادي على النَّاس لا يمكن وصفه، وهو يتطلب معالجة أكثر فاعلية من قبل الحكومة والقطاع الخاص، على حد سواء.

حفظ الله عُمان من كل سوء ومكروه.