ناجي بن جمعة البلوشي
تعد البورصات المالية مؤشر أداء لاقتصادات كل دولة على حدة وذلك لارتباطها بقوة الاقتصاد الداخلي وما به من أداء لشركاته المحلية وما بها من قطاعات فاعلة، كما هي إنعكاس واقعي حقيقي لصورة هذا الأداء وقوة ومتانة ذلك الاقتصاد وبها يتشكل الواجهة الحقيقية لما فيه من فرص استثمارية ناجحة أو مصحوبة بالمخاطر فتكون مؤشرات مقروءة لدى كل مستثمر يود أن يستثمر في تلك البلاد فإما أن تكون له دافعاً للاستثمار أو أنها طاردة.
في ذات الوقت لكل بورصة وأدائها المالي ارتباط لصيق بما يدور حول العالم وما بهذا العالم من دول فتتناسق بما يتناسق مع أدائها والبورصات العالمية الأخرى لارتباطها اقتصادياً بذات القطاع والإنتاج، فعلى سبيل المثال الدول الخليجية تتأثر بأداء بورصات الدول المستوردة للنفط وعلى وجه الخصوص تتأثر بأداء شركات الطاقة، كما أن العكس صحيح فشركات الطاقة العالمية والبورصات المدرجة فيها تتأثر بتأثر إنتاج النفط والمصافي المنتجة لتلك المادة في تلك الدول. وإذا كان محور الارتباط بينهما يعنى أولاً بتوفر المعلومات والبيانات في الأداء عند كل طرف فإنَّ هذا يعني مدى أهمية توفر المعلومات أو لنقل إنها جداً مهمة وتتساوى أهميتها مع أهمية نتائج الأداء الحقيقي للشركات ذاتها، كما إن معلومات وبيانات حجم التداول لأسهم شركة ما أو معلومات القيمة الاسمية لأسهمها وملخص الأداء الخاص بها المدرج في تلك البورصات يكون بلا شك عنوانا صريحا للمستثمر الباحث عن فرص الاستثمار في ذلك القطاع وما يحتويه من مكاسب وفرص استثمارية محفزة وفي هذا المنطق لا يختلف نوع المستثمر إن كان ماليا أو حقيقيا لكنني هنا أعني المستثمر المتخصص بالاستثمار الحقيقي لأهمية وجوده في سلطنة عُمان؛ حيث إننا في سلطنة عُمان ركزنا مبدئيا في خطة التنفيذ الأولى لرؤية 2040 على التحول إلى القطاع الخاص ومنحه قيادة دفة الاقتصاد الوطني والمضي به قدماً ليكون قاطرة التنويع الاقتصادي وذلك لتعزيز مساهماته في الناتج الإجمالي وخلق فرص عمل للمواطنين وغيرها من المكاسب المرجوة من هذا التحول.
كذلك ركزنا في خطتنا الخمسية العاشرة (2021 -2025) على قطاعات بعينها كالصناعات التحويلية والزراعة والثروة السمكية والاستزراع السمكي والتصنيع الزراعي والغذائي والاستثمار السياحي وقد خططنا لها الكثير من الخطط المساعدة ووضعنا لها الحوافز والمشجعات، وذلك لإنجاح تلك القطاعات بكل وسائل النجاح الممكنة كالترويج وتشجيع الاستثمار فيها من خلال دعمها وتحفيزها ومنحها الإمكانيات المساعدة على ذلك. وهنا أقف مع هذه القطاعات التي في حقيقة الأمر تحتاج إلى استثمارات محلية وأجنبية ضخمة ومتنوعة، إلا أن هذه الاستثمارات المتوقع استهدافها ستكون مشروطة بشروط للمستثمرين يتحتم علينا القيام بها ومُراجعتها وحلحلتها من الواقع إلى واقع جديد؛ فالمُؤتمرات واللقاءات والتعريفات المنصبة في هذا الاتجاه ربما سيكون لها صدى القناعة القاطعة التي قد يستقنع بها الكثير من المستثمرين فعلاً وما أعنيه هنا بما تحتويه من تعدد البرامج الاقتصادية الحكومية التحفيزية الضامنة لهذه الاستثمارات، لكنها أيضًا ربما ليست بتلك القناعة التامة، وذلك لما يختلف هي وتناسقها مع مؤشر أداء الشركات في البورصة المحلية للسلطنة أو ما بتلك البورصة من شركات مدرجة في ذات القطاعات مع أنه الأمر الأسهل والأوضح للقناعة المطلقة لدى كل مستثمر، فعندما تكون في بورصة مسقط شركتان مدرجتان بها تعملان في القطاع السمكي ومؤشر أدائهما لم يستفق منذ سنوات مضت من الخسارة؛ بل وقد فقدتا الكثير من رأسمالهما حتى تحولت إحداهما إلى شركة مساهمة مقفلة، والأخرى قد باعت الحكومة حصتها منها، فكيف بنا أن نقنع المستثمر بالاستثمار في مثل هذا القطاع؟!
وهناك شركات للتصنيع الغذائي وغيرها للصناعات التحويلية وهناك استثمارات سياحية قد تحولت فعلاً من شركات مساهمة عمانية عامة إلى شركات مساهمة مقفلة، بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت بها وهذا يعني أن علينا أن نعالج ما نحن فيه أولاً قبل أن نقنع الآخرين بالاستثمار في هكذا قطاعات. وهنا لا أعني أن علينا أن نعالج البورصة وما بها من تشريعات وقوانين أو تحويلها من وإلى؛ بل ما أقصده معالجة الأسباب التي أدت بتلك الشركات للخسارة ووصولها إلى هذا المستوى، مع ابتكار طرق واقعية لمعالجة تلك الأسباب من أجل إنجاحها وإرجاعها من سلم الشركات المقفلة إلى سلم "شركات المساهمة العامة الناجحة".
هذه الخطوة ستعلمنا بمكان الخلل الحقيقي في تلك الشركات وما الذي أدى بها إلى ذلك؟ فيتضح لنا السبب إن كان من جانب التشريعات والقوانين أو إن كان في غيرها من الأسباب؛ لنعالجها أولاً، فإن في علاجها لنا المكاسب الكثيرة كجعل بورصتنا عنوان جذب للاستثمار الأجنبي الحقيقي والمالي والوضوح المرجو لدى المستثمرين الآخرين في إدراج الكثير من الشركات في البورصة أو المكاسب المرغوب فيها للبورصة ذاتها، فالمُؤشر العام وحجم التداول والقيمة السوقية للبورصة وغيرها من المعلومات والبيانات تُساعدنا مخاطبة الكثير من اللغات الاقتصادية المفهومة لدى أهل الإحصاء والتصنيفات والاستثمار.