ماذا أعددنا لتغير المناخ؟

 

علي بن سالم كفيتان

يتفق الكثير من المراقبين وعلماء البيئة وتغير المناخ أن سلطنة عُمان تدفع ثمناً باهظاً لتغير المناخ العالمي فماذا نحن فاعلون؟ وبعيدا عن اللغة العاطفية التي تتصدر المشهد بعد مرور أي إعصار أو عاصفة مدارية يتم توظيفها في تعظيم ترابط النسيج الوطني رغم اتفاقنا جميعاً في هذا الوطن على أننا لسنا بحاجة للأعاصير والعواصف لنكتشف أنفسنا من جديد ونقيس مدى انتمائنا للأرض التي رويناها بدمائنا على مر الزمن، مما يوجب تعاملاً مختلفاً مع ظاهرة تغير المناخ والضريبة التي ندفعها دون أن يكون لنا ناقة أو جمل في حدوثها.

ففي الوقت الذي نتعرض فيه كل خمس سنوات تقريباً لإعصار أو عاصفة، ما زال قطاع تغير المناخ تائهًا بين المؤسسات؛ فتارة يُلحق بهيئة البيئة أو بهيئة الطيران المدني، ويظل ضعيفًا وغير قادر على بناء قدرات أو فرض نفسه على الأجندة العالمية لاتفاقية تغير المناخ كبلد مُتضرر يستوجب دعمه فنيًا وماديًا من الدول المتسببة بتغير مناخ الكرة الأرضية، فنحن في سلطنة عُمان لسنا ضمن الدول ذات الصدارة بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون مما يجعل البعض يُقارننا بدول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية فيقول دون وعي للأسف (أمريكا تمر بها الأعاصير وتغرق مدنها مثلنا رغم كونها دولة عظمى) كمبرر لتقبل مبدأ الأمر الواقع دون التحرك للتكيف والتخفيف من حدة التغيرات المناخية التي تتعرض لها البلاد.

بينت الأعاصير والعواصف التي مرَّت على السلطنة خلال العشرين سنة الماضية أننا لم نستفد من التجارب مطلقًا، فعلى سبيل المثال لا الحصر وبعد مرور العاصفة المدارية عام 2002 بمحافظة ظفار تم تبني نهج لحماية صلالة من الفيضانات وقدم مقترح طموح لبناء عدد من سدود الحماية، وعقب مرور الصدمة نُفذ سد واحد فقط من المقترح، وتم غض النظر عن البقية، فغرقت المدينة مجددًا في إعصار "مكونو" 2018، بعد أن تم السماح بالبناء في إحرامات الأودية وتحويل مسارات بعضها لوديان أخرى، لنبحث مجددًا عن المقترح القديم لنبث فيه الروح ونستنجد بفريق خبراء لدعم الجانب الاستشاري والفني، قبل أن نعود لمبدأ تقسيط إنشاء سدود الحماية، كما فعلنا من قبل لصالح تعميق الأودية وتنظيفها كنوع من المسكنات التي تؤلمنا فيما بعد..

فهل هذا النهج سيتبع في الباطنة وولاياتها المتضررة: السويق والخابورة وصحم؟

إن تأخير إنشاء سدود الحماية والاستمرار بتخطيط المناطق المنخفضة المهددة بخطر الفيضان سينهك موازناتنا المالية ويقود الناس للشعور باليأس من السياسات التخطيطية غير المدروسة.

إن الخطاب السامي لمولانا جلالة السلطان- أيده الله- عقب الإعصار شاهين والإعلان عن تأسيس صندوق لمواجهة تغيرات المناخ، يمثل خطوة مهمة في إطار التخفيف والتكيف مع الوضع؛ حيث إنه وبموجب هذا الصندوق يتم الاعتراف بالمشكلة وتخصيص موارد مالية من الموازنة العامة للدولة لمعالجة الآثار المترتبة على الأعاصير والعواصف المدارية ونعتقد أن هذه الخطوة يجب أن يتبعها قرار بإنشاء هيئة مستقلة تعنى بتغيرات المناخ بحيث يتم تمكينها من مراجعة جميع المخططات العمرانية القائمة أو المقترحة والإشراف على عمليات التعويض وبناء مواقع الإيواء الآمنة والإشراف على الجهود التطوعية وتثقيف السكان بالسلوكيات التي تحفظ الأرواح والممتلكات والسعي لامتلاك جهاز إنذار مبكر وقمر صناعي مخصص لتغيرات المناخ.

يقول بعض المتنبئين بالمناخ إن المناطق الساحلية لن تكون آمنة بما يكفي خلال الخمسين عامًا المقبلة، فهناك حديث عن ارتفاع منسوب مياه البحار وغمرها للسواحل، بمعدل متر إلى متر ونصف المتر، مما يعني ضمنًا اختفاء مساحات جديدة من اليابسة على حساب الامتداد البحري وفي هذه الظروف قد يصبح قلب السلطنة هو الأكثر أماناً... فهل سنفكر خارج الصندوق ونرسم توجهاً جديداً للتخطيط العمراني نحاكي من خلاله ظاهرة تغير المناخ أم سنستمر في معركة الفعل ورد الفعل عبر معالجات لا تسمن ولا تغني من جوع؟

وقبل الختام.. هل نحن مستعدون لحضور عالي المستوى في"المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي، المقرر انعقاده في أسكتلندا شمال المملكة المتحدة خلال الفترة من 31 أكتوبر ولغاية 12 نوفمبر المقبل؟ وهل سنرفع مشاركتنا بما يتناسب وحجم الأضرار التي لحقت بنا؟ وهل نتوقع إشراك مندوبين من المجتمع المدني والمتضررين ضمن وفد السلطنة هذا العام؟ وما هو الدعم الفني أو المالي المتوقع أن نحصل عليه من الدول المتسببة بتغير المناخ التي سوف تقدم 86 مليار دولار خلال الفترة من 2020- 2025 للدول المتضررة؟ أم أننا سنحضر بتقرير مكرر مشفوع ببلاغ وطني مُعد سلفاً لا يرقى لحجم الأضرار التي ندفعها سنوياً؟

كل هذه التساؤلات بحاجة لإجابة.. حفظ الله بلادي.