القانون الانتخابي المثير للجدل
د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري
عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة قطر سابقًا.
خصصتُ المقال الأول للجوانب الإيجابية في انتخابات مجلس الشورى القطري وذكرت أنَّ الشعب القطري قدَّم صورة مشرفة للعالم في أول تجربة انتخابية نيابية اتسمت بالشفافية والنزاهة والسلاسة.. لكن ماذا عن المؤاخذات والانتقادات الموجهة للتجربة؟
لقد أثار قانون تنظيم الانتخابات جدلًا مجتمعيًا ساخنًا، كما أثار انتقادات واسعة على الساحة الخارجية؛ كونه قصر حق المشاركة على من جنسيته أصلية من المواطنين طبقًا لقانون الجنسية القطرية (38) لعام 2005، دون بقية المواطنين الذين اعتبرهم قطريين بالتجنس، وهم أغلبية مواطنة كاملة الحقوق طبقاً لقانون الجنسية لعام 1961.
بين هذين القانونين 1961 و2005 فترة زمنية تقدر بـ45 عامًا، كانت المواطنة القطرية واحدة، وظل القطريون ينعمون بمركز قانوني واحد، ينعمون بكامل حقوق المواطنة حتى جاء القانون الجديد فغيّر أوضاعهم القانونية:
أولًا: صنف القطريين إلى قسمين: قطريون كاملو الحقوق يحق لهم المشاركة السياسية، وقطريون لا يحق لهم المُشاركة، كونهم اكتسبوا الجنسية.
ثانيًا: حكم على ابن القطري المكتسب للجنسية أن يظل متجنسًا هو وأولاده وأحفاده.
ثالثًا: تم إعمال سريان القانون بأثر رجعي خلافًا لمبدأ عدم رجعية القوانين.
المدافعون عن القانون يقولون إن كل قوانين الجنسية تفرِّق بين المواطن كامل الحقوق والمكتسب للجنسية في الحق السياسي، وهذا صحيح، لكنها تضع سقفًا زمنيًا مُحددًا إذا استوفاه المُجنّس أصبح كامل الحقوق، كما إنها لا تحرِم ابن المتجنس من مواطنته الكاملة، ولا تسري بأثر رجعي.
لقد أدى تطبيق هذا القانون إلى تضييق هيئة الناخبين الذين يحق لهم المشاركة، وهذا هو الجانب السلبي في هذه التجربة؛ كونه خالف المبدأ الديمقراطي القاضي بتوسيع قاعدة المشاركة العامة للمواطنين.
الارتباط وثيق بين الديمقراطية ونظام الانتخاب، لكن الانتخاب العام هو الذي يُحقق الديمقراطية، وكلما كان الانتخاب عامًا ودائرة المشاركة مستوعبة لكافة المكونات المجتمعية، كان النظام السياسي أقرب إلى الديمقراطية والشورى، كما أمر بها المولى في الآية "وشاورهم في الأمر".
قد يُقال إن هذا تنظير جميل للمبدأ الديمقراطي والشورَوي، لكن مقتضيات الديمقراطية والشورى وإن كانت صحيحة على المستوى النظري، إلا أنها قد لا تتلاءم وحقائق الواقع المجتمعي، ومن هنا فإن المشرع قد يذهب في اتجاه تغليب اعتبارات الواقع السياسي ودواعي الأمن الوطني والمصالح العليا للوطن على مقتضيات الديمقراطية، وفي التجارب المعاصرة ما يفيد أن الديمقراطية قد تقود أحيانًا إلى خيارات كارثية (البريكست مثالًا).
لقد كانت دوافع المشرِّع القطري ومنذ البداية في إصدار قانون ينظم انتخابات مجلس الشورى، هندسة الوضع الانتخابي بما يؤدي إلى قيام مجلس تشريعي رقابي يساهم في تطوير التشريع ويراقب سلامة الأداء الحكومي، ويعين الدولة بالمشورة والرأي في الإسراع بعمليه التنمية، ولم يكن يريده مجلسًا مؤزمًا يناطح الدولة ويعطل التنمية كما في تجارب خليجية أخرى. لم يكن يريده مجلسًا يهيمن عليه مكون قبلي واحد يتحكم في مصير الشعب والدولة والوطن لحساب مصالح القبيلة. ومن هنا جاء تنظيم الوضع الانتخابي بما يضمن تفتيت التكتلات القبلية والطائفية والعائلية سواء لجهة توزيع الدوائر أو اختيار المرشحين أو حجم الناخبين.
وجوابي أن هذه دوافع واعتبارات تتعلق بمصالح عليا، أتفهمها وأقدّرها، لكن مع ذلك لا ينبغي أن تحول دون توسيع دائرة مشاركة المواطنين عبر خطوات تدريجية مثلما بادر سمو الأمير، استباقًا للانتخابات ورغبة من سموه في توسيع دائرة المشاركة وإفساح المجال لمزيد من القطريين للمشاركة، فأدخل تعديلاً على القانون بأن استثنى من شرط الجنسية الأصلية كل من اكتسب الجنسية القطرية، بشرط أن يكون جده قطريًا، ومن مواليد دولة قطر، فأجاز له المشاركة في الانتخاب (القانون رقم 1 في 2021/7/29).
هذه خطوة إيجابية من سموه، نرجو أن تتلوها خطوات أخرى أخرى يتم إدخالها على القانون؛ لإفساح المجال لتوسيع قاعدة المشاركة للمواطنين مع الأخذ في الحسبان كافة الاعتبارات المتعلقة بالمصالح العليا للوطن، وهذا ما نأمله من مجلسنا الموقر.