الملحمة الوطنية.. وثيقة شرف للتاريخ

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

"شاهين"، بقدر ما هو كارثة فإنِّه عِبرة ونعمة من نعم الله تعالى لتنبهنا على أمور هَامة في حياتنا.. هذه الجملة كانت مُقدمة مقالي المنشور الأسبوع الماضي، وهي بالفعل كما ذكرت عبرة ونعمة.

فالذي شهدناه معاً خلال الأسبوع الماضي من لحمة وطنية في تكاتف وتعاضد أبناء الشعب العماني الذي هبَّ لنجدة إخوانهم أبناء ولايات جنوب وشمال الباطنة وتحديداً في ولايتي السويق والخابورة وأجزاء من ولايتي صحم والمصنعة، من خلال تسيير مئات الشاحنات المحملة بالمؤونة من جميع أنحاء السلطنة من مسندم إلى ظفار، إضافة إلى مئات الحافلات التي تحمل آلاف المتطوعين لإزالة آثار إعصار شاهين وما سببه من دمار وتلف للمنازل والمساجد والمزارع، وقد تكاتفت جهود المواطنين المتطوعين مع اللجان الأهلية والجمعيات والفرق الأهلية يداً بيد مع أفراد الجيش السلطاني العماني بكافة تشكيلاته، وأفراد شرطة عمان السلطانية، والدفاع المدني، والأندية والفرق الرياضية، إضافة إلى اللجنة الوطنية لإدارة الحالات الطارئة.

هذه اللحمة الوطنية الكبرى، والتكاتف الأخوي الحميم والتعاضد والمؤازرة للمنكوبين قد جسدت أن عُمان لحمة واحدة، والشعب بمختلف أطيافه وأجناسه، واختلاف مذاهبه هو على قلب واحد، تجمعهم المحن، فعُمان وشعبها جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.

ومع هذه الأنواء كان الأب الحنون جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يتابع الأحداث، فتأتي التوجيهات السامية بتشكيل لجنة وزارية لتقييم الأضرار التي تعرضت لها منازل المواطنين وممتلكاتهم المختلفة في المحافظات التي تأثرت مباشرة بمركز الحالة المدارية، وذلك بهدف توفير شتى أشكال الدعم والمساعدة اللازمين للتخفيف من حدة تلك التأثيرات عليهم في أسرع وقت ممكن. كما وجه جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- بضرورة الإسراع في إصلاح البنية الأساسية التي تضررت نتيجة هذه الأنواء، إضافة إلى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لسرعة إعادة الخدمات الأخرى المتضررة. وباشرت اللجنة أعمالها بإسناد وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لشركة جلفار للهندسة والمقاولات أعمال إصلاح الأضرار التي لحقت بطريق الباطنة العام جراء الحالة المدارية "شاهين" بدءًا من ولاية المصنعة حتى ولاية صحم.

ومن خلال المتابعة المستمرة لجلالته- حفظه الله- تأتي التوجيهات السامية لجلالته بتسريع إصلاح البنية الأساسية التي تضررت نتيجة الحالة المدارية التي تعرضت لها السلطنة "شاهين"؛ حيث أعلنت اللجنة الوزارية لتقييم الأضرار الناتجة عن الحالة المدارية عن إسناد وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات لشركتي "سترابك عمان" و"الصاروج" للإنشاءات لأعمال الحزمة الثانية من إصلاح الأضرار التي  لحقت بعدد من الطرق بمحافظتي شمال وجنوب الباطنة جراء الحالة  المدارية، والتي شملت إصلاح الأضرار التي لحقت بطريق وادي بني عمر وطريق وادي الجهاور وطريق وادي الصرمي وطريق  وادي القنوت وطريق وادي الحواسنة وطريق صحار - ينقل.

ويأتي الخطاب السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه الذي ألقاه جلالته يوم الإثنين الماضي مواسياً ومؤازراً للمتضررين جراء إعصار شاهين، وداعماً ومحفزاً للحمة الوطنية التي سطرها أبناء عُمان الأوفياء، حيث قال جلالته حفظه الله: "وقد كشفتْ لنا الأيامُ الماضيةُ، عن ملحمةٍ وطنيةٍ سطّرها أبناءُ عُمانَ الأوفياء بثباتِهم، وصبرِهِم، وتماسُكِهِم، وتعاضُدِهِم، وسيظلُ ذلك شاهدًا على قوةِ هذا الوطنِ، وقدرتِهِ على الصمودِ، في مواجهةِ الظروفِ والمتغيرات، ولقد كان ذلك امتداداً لما بذله أبناءُ عُمانَ، من تضحياتٍ على مرِّ العصور".

ثم تأتي الأوامر بإنشاءِ صندوقٍ وطني للحالاتِ الطارئة، بهدفِ التعاملِ معِ ما خلّفَتْهُ هذهِ الحالةُ المداريةُ، وما قد يَحْدَثُ مستقبلاً من حالاتٍ أو كوارثَ طبيعية لا قدّر الله، فعُمان بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم -حفظه الله-، وبشعبها الأبي في ألف خير ولا يخشى عليها من أيِّ بأس. فالمحن تصنع الرجال، وتظهر المعادن النفيسة، فشعب عُمان معدنه نفيس، وانتماؤه إلى هذه الأرض متأصل منذ قديم الأزل، فعلى مر العصور يثبت العماني كفاءته ومقدرته على تحدي الصعاب وتحويل المحن إلى منح.

وكما بدأت بمقدمة مقالي للأسبوع الماضي، أختتم هذا المقال استشهادًا بخاتمة ذلك المقال الذي قلت فيه: "وأنا على يقين تام بأنَّ حكومتنا الرشيدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- ستولي هذا الجانب جل اهتمامها، وستدرس الأسباب التي أدت إلى هذه الكوارث الكبيرة، وسوف تعالجها بالطرق التي ستراها مناسبة".

وبالفعل كان ذلك، وما هذه الأوامر السامية إلا تأكيد لما ذكرته في خاتمة ذلك المقال.