إنس عُمان يقارعون جن سليمان

 

عائشة البلوشية

 

حكت الأساطير أنَّ نبي الله سليمان عليه وعلى رسولنا الصلاة والسلام، كان في رحلة عودته من اليمن على بساط الريح فوقع بصره على حصن "سلوت" بولاية "بهلاء" في سلطنة عُمان، وأعجب بجمال هندسة بنائه، فنزل ضيفًا على أهله، وشده ما وجد من كرم أصحابه وسماحتهم، وجمال عمارتهم لذلك الحصن البديع، فمكث في عُمان 10 أيام، وكان لابُد من مُقابلة كرم هندسة إنس عُمان بجود هندسة جن سليمان، فأمر الجن بمُساعدة أهل عُمان لبناء مائة "فلج" في اليوم الواحد، وعند نهاية اليوم العاشر كانوا قد أتموا ألف فلج في أنحاء عُمان.

وتروي الأسطورة أن تسمية الأفلاج الداؤودية جاءت تيمنا بتلك المبادرة الكريمة، وما زال العديد من تلك الأفلاج باقيا إلى يومنا هذا، وهي هندسة عجيبة يستغرب الناظر إليها عن كثب، في كيفية توصيل الماء من أم الفلج (العين الرئيسية) مرورا بـ"الثقاب" المرسومة بعناية مدروسة بدقة مُتناهية الأبعاد والعمق، وصولًا إلى البلاد لري الضواحي والعوابي، وتتردد أسطورة جن سيدنا سليمان بخلده أمام هذه الأعجوبة الهندسية.

إن المتابع في الأيام الماضية للحالة المدارية ليعجب أشد العجب يوم الجمعة الثامن من أكتوبر من دفق الوفود الجارية، كيف لا وما حدث من إسراع للتكاتف من كل شخص على هذه الأرض الطيبة، يرسم ملحمة وطنية عظيمة، فيصل بقلبه قبل جسده، وكأنَّ هذا الكم الرائع من القلوب قد وصل إلى الباطنة قبل "شاهين"، شيبة وأطفالًا وشبابًا صاح بهم إخوتهم هل من مُعين! فصدحت في الأجواء جميع عُمان: أن (آمين).

حقيقة تتحجر كلمات اللسان لتصف شيمة أهل عُمان، وتنحني ريشة الفنان، أمام روعة العمل الذي نفض الطين ليبرز الألوان، ترنيمة متكاملة بين شعب وحكومة وسلطان.

بدر ينشد بصوت شجي، فتردد المعاول والجرافات عذب الألحان، وترتفع صيحات البواسل لتنشر بذور الأمان، فيردد لبيك أبناء مسندم الشجعان، ويحلق النسور فوق صفحات الوديان، فيصنع بهمة أبناء ظفار الجنحان، ويغوص الربابنة البحور والقيعان، فيرصف بعزيمة أبناء مسقط العنوان، وينظم الأسود أبجديات المكان، فيمخر بحرفية أبناء الشرقيتين الخلجان، ويصطف حراس المبادئ فيعلو بقوة أبناء الظاهرة البنيان، ويبسط البلاط الزرابي والديوان، فيسطر أبناء الداخلية معلقة الزمان، وتملي الجمعيات دروس العنفوان، فيكتبها أبناء البريمي بمداد الزعفران، وينشر الإعلام أحداث التو والآن، فيهزج أبناء الوسطى بدون ترجمان.

بكت القلوب وأدمت المآقي مناظر الدمار، وتناهت مضمحلة صرخات الفزع أمام زمجرة الريح وهيبة المياه المتلاطمة، لكن وكأن الله أرسل شاهينا لينبت من كل قطرة غيث شابا مقداما، فلم يكن عجيبا أن تشهد ولايات السويق والخابورة والمصنعة أودية بشرية؛ حيث بدأ انهمار الغيث البشري مع خيوط الصباح الأولى، لتتوالى موجات مدنية وعسكرية وأهلية أرتالا وجماعات، وتنسج ملحمة يسطرها التأريخ للتكامل بين جميع الفرق والقطاعات، ويشهد الزمان على أن شعب عُمان نسيج واحد، غزل بخيوط من حب وولاء وانتماء، روح قابوس تلهب حماسهم، وحضور هيثم يقوي شكيمتهم.

يا سادة إنها عُمان، ليست كأيِّ أرض، هي أرض الإنسان، أرض الحصون الشامخات بعزة وإباء، البلاد التي تقطف من غيمة السلام ورودا بيضاء، وتطوع بأهزوجة الفصاحة الأنواء، شعبها أسماهم سيد البشر صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله- أهل الغبيراء، شهد لهم القاصي والداني بأن ما قاموا به منذ اليومين الماضيين فوق طاقاتهم، يعملون كالنحل الذي لا يتوقف عن جمع الرحيق بهمة وحب، حتى إن أحدهم قال معلقًا إن من كثرة أعدادهم وكأن الجن قد جاءوا معهم للتطوع! فتذكر سيدنا سليمان عندما أمر الجن أن يُشيدوا الهيكل، واستمروا بالعمل الدؤوب دون توقف، لكن الفرق هنا أن جن سليمان كانوا يعملون خوفاً من غضبه، أما إنس عُمان فيعملون بحب وإرادة تنبع من نفوسهم المملوءة بالخير لهذا الوطن ومليكه، وطاقة الحب أعتى بأضعاف من قوة الخوف.

----------------------------------------------

توقيع:

"بقوة الرحمن.. والعزم والإيمان،،

والجهد والإصرار.

سنرفع البنيان.. لكي نرى عُمان..

قد أصبحت منار.

في السهل والجبال.. بأعين الأطفال،

سنزرع النهار.

بالروح أو بالمال.. عزيمة الرجال،

سنكمل المشوار".