أين أنت يا أبي؟

طارق هاني

جالسٌ عند عتبة بابنا. مأخوذة حواسّي بالمارَّةِ من أمامي، والسيَّارات، والدرَّاجات، حتى القطط والكلاب، ثم كلّما آنست طيفاً يلوح على مدِّ نظري، أفرجَ وجهي عن ابتسامة، فإذا ما أقبل صاحب الطيف، أعادني خائبا إلى سؤالي الأول. أين أنت يا أبي؟

أقضُم أظفاري، وأمدُّ رجليَّ أمامي مُنكبًّا إليهما، حتى إذا ما لوّح الناس بأيديهم، دسست رأسي. ذلك ما كان يحدثُ دائماً. إنَّ الذي انفرط في داخلي، اغتال ثقتي بالموجوداتِ كما ما تبدو لي، إذ ما عادت سوى رهائنَ للوقتِ، ولا شيء سوى الوقت يرتهنُ الوجود ويعيده، ويغيّر الأبطال في القصة الواحدة، والمكان الواحد، من سعادة إلى تعاسة.

جعلت قطرات الماء، التي ينزُّها المُكيِّف المطلّ إليَّ من شرفة الحائط، تبدو، كنزيف يغالبني، ويحطّ على قلبي قبل الأرض، فيتجلَّط. كان كل صوتٍ من جنس ما يسمعه بقية الناس، مخيفٌ بما يكفي، لأن ألتفت في اللحظة، عشر مرات، متوقياً الوقت، وما يحمله لي.

دون أن أفوت - في أي لحظة من تلك - تخيّل طلعته، وطلائعه، مع أوّل الأشياء. إذ كان أبي الأوّل الذي تتوالى الأشياء بعدهُ، ولما غاب، غاب كل ما بعده. ذلك الغياب الذي أحالني إلى ما أبدو عليه. أحتال على الوقت لئلا يغتالني، فيبتزّ لهفتي. أين أنت يا أبي؟ لمّا ضقتُ باليقينِ، وُصِمتُ بالجنونِ، وغير ذلك... وقد برئت ذمتي أمام الخالق، وما ضرّني بعد علمه ظنّ، وإليه أبث غيب نفسي، وهو أعرف بأن الذي ضرّني هو اليقين الذي تغوّل حتى بلغ من الغرور أن قال على غفلة مني: أنَكَ ميّت يا أبي، وأنكَ لن تعود.

النهاية.

تعليق عبر الفيس بوك