حديقة جميلة رغم لسعات البعوض!

 

هلال بن حمد النعماني

omanoor101@gmail.com

 

عندما تتعالى أصوات أطفالك مُطالبة بالخروج والهجرة والنزوح من بيتهم للسياحة في بلادهم تُصيبك الحيرة في المكان الذي ستختاره للذهاب إليه؛ فصلالة الجميلة جمالها المنشود موسمي وشواطئ البحر الرطوبة الخانقة تعمها والسيوح والقفار والمفازات ملتهبة بحرارة الصيف  والأودية القريبة على الأقل جفَّت، وخشية أن تتطور المطالبات بالتنزه إلى مظاهرات  واعتصامات وهاشتاقات  وتريندات وسوالف للقريب والبعيد، مع الضغط القائم وتداعيات الضغط المتوقع مستقبلا، قررت شد الرحال إلى مسقط العامرة، لعلي أجد فيها الغاية المنشودة، فيممت المسير إلى حديقة القرم الطبيعية.

عرفت حديقة القرم منذ عقود خلت وتوطدت زياراتي لها في فترة دراستي الجامعية في مسقط، فكنت بصحبة أصدقائي بين الفترة والأخرى نزورها، فكانت هذه الحديقة من ضمن جدول زياراتنا بالإضافة إلى شاطي القرم ومتنزه كلبوه على الرغم من أنَّ مسمى هذا الأخير يثير في النفس الهواجس من المفترسات، ولا أعلم الإصرار على الإبقاء على المسميات الكئيبة والحالكة في قلب العاصمة مسقط ككلبوه وجبروه وأخواتها من أسماء الأماكن المسقطية، والتي يفترض أن تستبدل بأسماء أكثر إشراقاً وبهاء تتناسب مع الوجه المشرق للعاصمة مسقط.

إن من أكثر الأماكن الجميلة في حديقة القرم الشلالات الصناعية المتدفقة من جبل فيها فمنظر المياه المنسابة من أعلى وأصوات خرير المياه المتساقطة بين الصخور تشكل لوحة جميلة، كما أن الصعود إلى قمة الجبل تعد فرصة للتأمل والاسترخاء.

وصلنا الحديقة قبيل المغرب،لا جديد فيها منذ آخر زيارة لها ما عدا مطعم زجاجي قريب من البوابة الرئيسية، افترشنا إحدى المسطحات الخضراء، وذهب الأطفال للعب في إحدى الألعاب القريبة والساكنة على بساط من الرمل، كان الجو حارا ورطبا فلا غرابة أن التصقت الرمال بملابس الأطفال وأجسادهم الصغيرة، ولكن مع ذلك هم يلعبون، ولسان حالهم السقوط على الرمل  أرحم لنا من المكوث بين الجدران في المنازل، وهنا تساءلت لماذا لا يحل الترتان كأرضية للألعاب الموجودة بدل الرمل، كما أن الألعاب قليلة ولا تفي بعدد الأطفال المتوافدين عليها.

ما لبثنا إلا برهة من الزمن حتى شعرنا بلسعات البعوض تُحاصرنا في كل مكان، والبعوض مستبسل لا يجد مكانًا مكشوفاً من جسدك إلا ولسعه وحقنه بمخالبه وأنيابه وبث فيه سمومه وهمومه، منتقماً من الغرباء المتطفلين عليه، والمقتحمين مملكته الجميلة بدون استئذان، على ما يبدو ظل فترة طويلة يسرح ويمرح في الحديقة دون أن يهدد صفوه أحد. حاولت تغيير البقعة التي استقريت فيها لعل وعسى أن تكون خالية من البعوض ولكن لا جدوى فأسراب البعوض تلاحقك أينما حللت والحر والرطوبة تكسي المكان بالبؤس. فكان الاستنفار والفرار من الحديقة ملاذنا وقرارنا الأخير؛ فجمعت أسرتي إلى خارج الحديقة على غير رجعة.

طبعاً حديقة القرم الطبيعية من الحدائق الجميلة والشحيحة في مسقط، تستقطب أعدادا كبيرة من الزوار نظرا لموقعها، وقلة المزارات السياحية العامة في العاصمة مع وجود كثافة سكانية وتوافد السياح من داخل السلطنة وخارجها، يفترض من الجهة المعنية بالحديقة أن تكون على استعداد تام لتهيئتها لاستقبال الزوار بعد رفع الحظر، لكون الحدائق الملاذ المناسب للأسر لأخذ قسط من الترويح عن النفس في الهواء الطلق، ولكن الذي رأيناه أن المياه الراكدة في الأحواض والبرك المائية أصبحت حاضنة طبيعية للبعوض، لذلك تكاثر وانتشر في أرجاء الحديقة ليستقبل مرتاديها بالقبلات الحارة مهنئا لهم على السلامة من كورونا ومباركا لهم على رفع الحظر، وفي وقت زيارتي النوافير المائية لم تكن تعمل والشلال المائي نضب ماؤه وخفت بريقه وجماله.

إن المزار السياحي إذا لم يكن بحد ذاته يشكل بيئة صحية وسليمة من المنغصات كالحشرات فلا فائدة منه، بل سيصبح وسطاً لنقل عدوى الأمراض المختلفة، ومن المحزن أن ترى سائحاً جاء الحديقة ليقضي سويعات من الترفيه والترويح وفجأة تجده يقفز وينط ويلطم ويهش البعوض.