صِفرُ درجة

 

سعيدة البرعمية

 

يا له من مُشوار مُتعب، وجدال أتعب! دخلتُ البيت وأنا على يقين أنني بنصف وجه، وأن النصف الآخر قد ذهب هباء بلفحة شمس غاضبة، التهمته نهما دون رحمة.

وقفت أمام أقرب مُكيّف، علّني أستعيد بعض وجهي، ثم ركنت إلى أقرب زاوية أمامه، جلست ورميت حقيبتي  ودفتر محاضراتي على الطاولة أمامي، أزلتُ حجابي وربطة شعري أتسلّق ذهنياً جدار حدائق الورد؛ لأريح رأسي المثقل بعجائب لم تتعرض لها "أليس في بلاد العجائب" ثم استعدت ما كنت فيه طيلة يومي، الذي كان مقداره مُعادلة من الحروف والأرقام المتمردة، جميعها يشاكسها سهم معوج، تعوّد الإساءة ثم الابتسامة العبيطة المصاحبة بـ"عفوًا".

يا إلهي..

مجددًا إساءة مغلفة بـ"عفوًا" أهي سُنّة كونية تلاحقني؟!

أيُّ خلق يا ربي خلقت على هذه البسيطة، أجميعهم طيور جارحة، وكائنات مفترسة بمخالب لا تُرى بالعين المجردة؟!

لا شيء يُتعب الطالب المجتهد، سوى أن يُفاجأ بعد نهاية الفصل الدراسي، أنَّ معدّله الذي كافح من أجله سنوات مضت، بدأ ينهار أمام عينيه، بسبب مزاجية دكتور وضع  في رأسه منذ الأسبوع التعريفي أو بعد أول نقاش مع الطالب حول موضوع ما أنَّ درجته في المادة لن تتجاوز رقما مُعيناً، حدده انطباعه عنه أو مستوى النقاش من وجهة نظره، أو لعامل نفسي يُعاني منه تجاه هذا النوع من الطلاب.

يصبح الطالب أمام عدة خيارات، إمّا أن يفتح معه باب النقاش، أو أن يرفع عليه تظلّماً أو أن يتدّثر برداء سلبيته؛ فيأخذ سكيناً صغيرًا ويضعه فوق الموقد إلى أن يحمّر ثم يضعه على  جرحه الدامي، ويتجاهل ماحدث، محاولا أن يُنقذ ما يُمكن إنقاذه؛ فيعقد العزم ألاّ تسجل معه أيّ مادة جديدة؛ ولكن قد يجد نفسه أمامه في القاعة، فجأة في مادة سجلها مع غيره ولكن شاءت الأقدار أن تأتي إدارة الكلية وتغير جداول الطلاب، بعد التسجيل وفق معايير ترى أنها في مصلحة الطلاب، "وكأنك يا بو زيد ما غزيت".

أيحذف المادة أم يستمر؟!

وماذا عن المعدّل مع تلك الدرجة المقيتة، التي لا يتجاوزها الطالب معه، مهما بلغ حجم اجتهاده، النقاش مع هؤلاء غير مُجدٍ، الأفضل في التعامل مع هذا النوع الذي  يرى من منظوره، أن على الطالب حفظ  المساق ومن ثم نسخه ولصقه على صفحة الاختبار، هو رفع التظلّم عليه مهما بلغ من الهيبة والتقدّم في العمر، فهذا حق للطالب تضمنه له الجامعة وتعمل من أجله عمادة الكلية. فالطالب ليس مسؤولا أن يتحمّل حماقات الآخرين ولا أن يدفع ضريبة نفسيات مريضة أو أنْ يتلقّى على وجهه صفعة مصاحبة بـ"عفوًا" من خلال تحجيمه ووضعه في برواز بمقياس مُحدد.

أيهما أفضل للطالب، الاعتماد على الفهم أم على الحفظ؟

برأيي، أنّ المساق وُجِد من أجل أن يهتدي به الطالب ويفهم محتواه، وليس أن يردده آناء الليل وأطراف النهار دون فهم؛ بل إن الاعتماد على الفهم وترجمته بأسلوبه ولغته  على ورقة الاختبار هو الأنسب ويبقى أثره على نفس الطالب مدى حياته، ولكن هذا لا يرضي بعض الدكاترة وهم قلة قليلة؛ لكنهم من أقوى العثرات، التي يتعثر بها الطالب المجتهد في مسيرته الدراسية؛ فهم بمثابة حُفر الطريق إن صحّ التعبير، مع احترامي لهم، لكنها الحقيقة المرّة.

غالبًا هذا النوع من الدكاترة، يضع سؤالاً في نهاية الاختبار، يسأل فيه الطالب عن رأيه حول موضوع ما وعليه درجتين، وغالباً يكون الهدف من السؤال ليس معرفة رأيّ الطالب؛ وإنما حرمانه من تلك الدرجة. يُدلي الطالب برأيه مبيناً وجهة نظره ويفتح لها الآفاق ويدعمها بالأمثال، ويضع بعض الحلول، ثم يُفاجأ بحصوله على صفر درجة!

تخيّل معي أن يحصل طالب سواء كان مجتهدا أو غير مجتهد، على صفر درجة مقابل رأيه، هذه مؤشرات إلى أن هذا الطالب لا وجود له وبالتالي لا رأيّ له، إن كان هو كذلك فلم السؤال؟!

دائمًا "الغاية تبرر الوسيلة" فالغاية هي احترافية الحرمان.

بما أنّ المُعلم سأل عن رأي الطالب، فالطالب حرّ برأيه يكتبه كيفما يشاء، وله الحق بأخذ الدرجة كاملة؛ لأنه يكتب رأيه الشخصي، مهما كان رأيه، ومهما أثار فيه من جدل؛ فهو رأيه ويعبّر عنه وعن وجوده، وبالتالي على المعلم بما أنه سأل الطالب عن رأيه أن يُعطيه مساحة كافية من الاهتمام فهو يُعبر عن وجوده وفكره، فقد يأتي برأيّ لم يأت به أحد قبله.