فلذات أكبادنا والعودة إلى المدارس

سالم بن نجيم البادي

 

يوم الأحد ١٩ / ٩ / ٢٠٢١ كان يوماً مشهودًا ورائعًا ومتميزاً ومختلفاً ففي صباح ذلك اليوم دبت الحياة في كل شي هدير الحافلات وحركة السيارات والناس، وفي الصباح الباكر كانت الأجواء عذبة وندية وتميل إلى البرودة على غير العادة في مثل هذا الوقت من أيام السنة، وثمة غيوم لطيفة تنتشر في السماء وضباب خفيف على روؤس الجبال، وتوجد على الأرض بقايا من المطر الذي هطل قبلها بيوم، فضلاً عن نسمات هواء عليل ومنعش.

كأنَّ كل الكون يحتفل بعودة الطلاب والطالبات إلى مدارسهم، العودة التي طال انتظارها في هذا اليوم رأينا الأطفال الصغار الذين يذهبون المدرسة لأول مرة وهم يحملون حقائب زاهية الألوان وأقلاما ودفاتر والفرح واضح على وجوههم البريئة والأطفال الذين لم يبلغوا سن الدراسة بعد يودعون أشقاءهم عند أبواب المنازل والطلاب وقد خرجوا من بيوتهم ينتظرون الحافلات وهم يرتدون دشاديشهم البيضاء الناصعة مثل قلوبهم الغضة وأحلامهم الكبيرة يقودهم الشوق إلى مدارسهم والطالبات بزيهن المدرسي الموحد والجميل مثل باقات ورد أو نتفاً من السحاب أو كالثلج الأبيض في النقاء والطهر مع العزم على السير بثقة نحو مُستقبل مشرق وقد وقفن على قارعة الطريق ينتظرن الحافلات، والفرحة تعم الأرجاء والابتهاج في كل البيوت وقد انتعش الأمل في الانعتاق من عبء الدراسة عن بعد، والناس يأملون ويسألون الله أن تعود الحياة إلى سابق عهدها ويعود كل الطلاب والطالبات قريباً إلى الانتظام في الدراسة والحضور كل يوم إلى مدارسهم عوضًا عن التعليم المدمج لبعض الصفوف ذات الكثافة العالية هذا وصف لصباح أول يوم يعود فيه الطلبة والطالبات لمقاعد الدراسة في قريتنا وربما في كل مناطق السلطنة.

وتبقى مسؤولية الإداريين والمعلمين والمعلمات في المدارس مسوؤلية جثيمة تجاه الطلاب والطالبات وهم يحملون على عاتقهم أمانة عظيمة وثقيلة ولا يقتصر دورهم على تلقين العلم للطلاب والطالبات؛ بل يتعدى ذلك إلى بناء شخصياتهم وغرس الثقة في نفوسهم والتعامل التربوي الأبوي الحاني والرفق واللين والرحمة والابتعاد عن العقاب البدني والكلام الجارح مثل وصف الطالب أو الطالبة بالغباء وعدم الفهم أو الشتم والانتقاد أمام الأقران والتوبيخ الدائم على الأخطاء البسيطة، والحديث عن الطلاب متدني التحيصل العلمي أو من لديهم سلوكيات غير مرغوبة والتشهير بهم أمام الآخرين وغير ذلك من الأساليب غير التربوية.

أهل التربية لا يفعلون ذلك وحاشاهم، لكن قد يوجد منهم من يفعل ذلك وهم أقلية قليلة جدا، وهؤلاء الطلاب والطالبات الذين يعانون من ضعف في التحصيل العلمي يحتاجون إلى سبر أغوار نفوسهم والتعرف على المشاكل والظروف التي يُعانون منها في البيت وللبيوت أسرار وظروف وأحوال قد لا يعلم عنها أحد ولا فائدة من لوم ولي الأمر والطالب وتحميلهم كل المسؤولية في ضعف الطالب وتقصيره، مع التسليم بالدور الرئيس للأسرة في تربية الأبناء والإشراف على تعليمهم، إلى جانب دور الطالب في الاهتمام والمذاكرة والبحث.

لكن.. على المعلم أو المعلمة أن يسأل نفسه عن الأعمال التي قاموا بها من أجل هذا الطالب، وعلى المعلم/ المعلمة هنا أن يتقمص دور الطبيب واعتبار الطالب الضعيف أو الطالبة الضعيفة؛ وكأنهم مرضى يحتاجون إلى خطة علاج بعد تشخيص المرض ومعرفة أسبابه، ومن ثم انتشال الطلاب والطالبات من ذل الضعف والخمول والكسل واللامبالاة إلى التميز والجد والاجتهاد والهمة والنشاط.

أعلم أنَّ بعض المعلمين والمعلمات سوف يقولون إنَّ هذا الكلام هو ضرب من المثالية والحقيقة أن تجارب الواقع في الميدان تثبت أن إخلاص المعلم أو المعلمة والعلاقات الإنسانية بالطلاب والتقرب إليهم وحب المعلم والمعلمة لمهنة التعليم والإبداع فيها وإجادة المادة التي يقومون بتدريسها يجعل الطلاب يحبون المعلم ويتخذونه قدوة حسنة ومن ثم يحبون المادة كل ذلك يأتي بنتائج مذهلة لصالح جميع الطلاب المتميز يزداد تميزاً والضعيف يتخلص من ضعفه نعم لهذه الدرجة هو مهم دور المعلم والمعلمة في حياة الطلاب والطالبات.

وقد توجد فئة من الطلاب لاشيء يجدي معهم، ومع ذلك لا نيأس من المحاولات المتكررة للتغلب على الضعف الذي يُعانون منه وينبغي خلق روح البحث والاطلاع والقراءة والتفكير الناقد لدى الطلاب والطالبات وإتاحة الفرصة لهم للحوار والمناقشة وحرية قول الرأي بأدب واحترام بعيداً عن البذاءة والوقاحة وقلة الأدب والمهم وقبل كل شيء أن ينشأ الطلاب والطالبات على التمسك بالدين الإسلامي الحنيف وتطبيقه في واقع حياتهم اليومية وفي سلوكياتهم وتصرفاتهم وربطهم بالقرآن حفظًا وتلاوة وتدبرًا وتطبيقاً.

وكذلك الاعتزاز باللغة العربية وحب الوطن والفخر بالانتماء إليه والمعرفة العميقة بتاريخه المجيد وعاداته وتقاليده وموروثه الثقافي ونبذ السلبية والتذمر والاتكالية وحب العمل ولقد حان الوقت لنربي الأبناء على الاعتماد على النفس والعمل جنباً إلى جنب مع الدولة وليس الاعتماد المطلق على ما تقدمه الدولة والجلوس في انتظار أن تفعل الدولة كل شيء وأن تقدم لنا كل شيء. وإظهار المنجزات والمحافظة عليها وجعل مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وأن مراقبة سلوكيات الطلاب والطالبات في ظل الغزو الثقافي الشرس القادم عبر الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي أمر بالغ الأهمية.

وينبغي التأكيد على ضرورة العدالة والمساواة بين الطلاب فقد يحدث أحياناً- وهذا نادر جدًا- أن يتم التركيز على الطلاب المجتهدين في توجيه الأسئلة لهم في الحصة وإشراكهم في مختلف الأنشطة والإذاعة المدرسية وتكليفهم بأعمال أخرى وحتى اختيارهم في الرحلات واللجان المختلفة والحفلات والمسابقات، صحيح أن الطلاب المتفوقين يستحقون، لكن ماذا عن الطلاب الذين يعانون من ضعف التحصيل العلمي أو الانطواء أو العزوف عن المشاركة في مختلف الأنشطة؟ من لهم؟!

وضحي يرجو من أولياء أمور الطلبة والطالبات التعاون والتواصل مع المدرسة وزيارة المدرسة ومتابعة أبنائهم وبناتهم في البيت وعدم إلقاء كامل المسؤولية على المعلم أو المعلمة في التربية والتعليم، ونقل الملاحظات والاقتراحات إلى المدرسة مباشرة بصراحة وشفافية، وأخذ المعلومات والأخبار من المدرسة حتى لا تنتشر الإشاعات والأخبار الكاذبة.

ويقول لكم ضحي: "اطمئنوا.. أولادكم أمانة غالية عند إدارة المدرسة والمعلمين والمعلمات وهم لا يُريدون منكم جزاءً ولا شكورًا فقط يريدون الإنصاف والمُحافظة على هيبة المُعلم واحترامه وتقدير جهوده".