"صندوق النقد" وتعافي الاقتصاد

مسلم سعيد مسلم مسن

أبرز ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي حول مشاورات المادة الرابعة للسلطنة لعام 2021، تركَّز حول إشادة الصندوق بإجراءات السلطنة لاحتواء جائحة كوفيد 19 والتحسينات الهيكلية للجهاز الإداري للدولة وحوكمة المؤسسات المملوكة للدولة والإشادة بسياسات الضبط المالي ومبادرات تحسين بيئة الأعمال.

وتضمن التقرير توقعات خاصة بالصندوق حول مستقبل اقتصاد السلطنة على المدى القريب والمتوسط تمحورت حول استمرار تعافي الأنشطة الاقتصادية تدريجيا، وإمكانية تحقيق نمو اقتصادي للناتج المحلي بالأسعار الحقيقية يصل إلى 2.5% في 2021، وتوقعات بأن تحقق الميزانية العامة للدولة فائضا في 2022م وتوقعات أخرى متفائلة بأن يتراجع الدين العام إلى 47% في 2026 مع تخفيض العجز في الحساب الجاري إلى 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في نفس العام (2026).

يمكن القول إنَّ هذه التوقعات جيدة ومتفائلة بالنسبة لاقتصاد السلطنة من مؤسسة اقتصادية مرموقة رغم ما يكتنف توقعات مثل هذه المؤسسات- وفق التجارب السابقة- من عدم اليقين في أحيان كثيرة بسبب سرعة تقلب الأوضاع الاقتصادية وديناميكيتها عالميا أكثر من النماذج الرياضية المتبعة التي تعتبر جامدة في بعض متغيراتها عند إجراء عمليات التنبؤ، كما إن حدوث أزمات اقتصادية ومالية وصحية في فترات متقاربة ومتلاحقة (2008، 2014، 2020) عقَّد من مهمة إبداء توقعات أو وصفات علاجية حاسمة من طرف مؤسسة عالمية مثل صندوق النقد الدولي وذلك تجاه الاقتصاد العالمي. وأيًا كان الوضع فإن دور صندوق النقد الدولي من خلال المادة الرابعة لا يتعدى المشورة ولكنها تبقى مشورة مهمة لابُد من التوقف عندها وتحليل نتائجها، بعيدًا عن حتمية الأخذ بكل حذافيرها، فالدور الأساسي ينبغي أن يقع على كاهل  المؤسسات الاقتصادية والمالية المشرفة على السياسات الاقتصادية والمالية والتجارية في تحديد مسار اقتصادي يستفيد من تلك المشورة وغيرها من خلال الاعتماد على رصيدها الوطني من بيانات وقدرات بشرية وتجربة عميقة في إدارة أدوات السياسة المالية والنقدية بالشكل والقالب الذي قد يحقق التوقعات المنشورة من قبل الصندوق أو ما هو أفضل منها.

في هذا المقال أحاول تحليل التوقعات التي خلص لها الصندوق وأهمية إبراز بعض الجوانب التي قد تكون مهمة عند الاعتماد على مثل هذه التوقعات وذلك وفق ما يلي:

  • هناك توقع من قبل الصندوق بتراجع الدين العام وبلوغه 47% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026م . وعند الرجوع إلى خطة التوازن المالي يتضح بأن هذا الهدف كان بعيد المنال، فقد توقعت الخطة بأن لا تقل نسبة الدين بنهايتها في 2024 عن 80% من الناتج المحلي الإجمالي، وضمن محتويات الخطة المنشورة عند ربطها بأهداف رؤية "عُمان 2040" فإن هذه النسبة يتوقع لها أن تصل 70% في 2030. عليه ، فإنه يبدو من توقعات الصندوق التي بنيت على المتغيرات الأخيرة للاقتصاد الوطني من ناحية أسعار النفط والإصلاحات الهيكلية بأن نسبة الدين العام ستنخفض بوتيرة أكبر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. وهنا نود الإشارة إلى أن على الجهات المعنية تحديث المؤشرات الخاصة بخطة التوازن والرؤية في شق المديونية، خصوصًا وأن مصروفات النفط والغاز قد عولجت مُحاسبيًا مؤخرًا بعد تأسيس شركة تنمية طاقة عُمان، كما إن أسعار النفط تعافت نوعًا ما والإصلاحات الأخرى بدأت تؤتي ثمارها، ويبدو أن هذه المتغيرات رجحت صحة توقعات الصندوق وتراجع النسبة إلى 47% أكثر من أي نسبة أخرى. لكن يبقى تساؤل آخر لايقل أهمية عن هذا التوقع: هل الصندوق اعتمد على متغيرات أخرى ساهمت في أن تصل نسبة الدين العام إلى تلك النسبة التي عاكست ما هو متوقع حكوميًا، من خلال التقارير المُعلنة حول خطة التوازن المالي والرؤية المستقبلية؟ هذا التساؤل لابُد وأن يؤخذ في الاعتبار من الجهات المعنية وأن تؤخذ الانعكاسات الاجتماعية في الاعتبار أيضًا. كما إن هذا التوقع المبشر عن الدين العام لابُد وأن تتبعه إجراءات احترازية موازية تستهدف المديونية العامة، ونقصد هنا بالمديونية العامة: الشركات والصناديق الحكومية والمؤسسات العامة التي تمول خارج الميزانية لأن أي إصلاح للدين العام يعتبر مجتزأ إذا لم يشمل تلك المديونيات.
  • التوقعات الأخرى للصندوق تناولت النمو الحقيقي للناتج المحلي، ومن وجهة نظري أن هذه النسب قابلة للتحقق، ولا زلنا نؤكد أنَّ المتغير النفطي هو الدافع الرئيسي للوصول إليها، وهنا نتوقع أن يكون هناك دور لسياسات التنويع الاقتصادي من خلال أداتي الميزانية والخطة، في زيادة فاعلية البرامج الحكومية التي تستهدف قطاعات التنويع وتوسيع قاعدته على حساب القطاعات النفطية.
  • مسألة إصلاح بيئة الأعمال وإشادة الصندوق بها، لا يزال هذا المسار يحتاج مزيدًا من الجهود؛ لأن حجم تؤثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالجائحة كبيرا والوصول إلى معدلات نمو مبشرة قد يتطلب خطط تحفيز طموحة.