خلفان الطوقي
هناك مشاريع ومبادرات حكومية يتأجل تنفيذها رغم أهميتها التنموية، والسبب يعود أنها -ظاهريا- تخص عدة جهات حكومية، لذلك تجد كل جهة حكومية تتردد في تنفيذ هذا المشروع أو القيام بتلك المبادرة، لأنها سوف تستهلك جزءا من مخصصاتها المالية، ولن تستطيع الجهة الحكومية الفلانية القيام بهذا المشروع ما لم تدعم بمتطلبات معينة، ومن جهات حكومية أخرى، ويستثنى من ذلك بعض المشاريع القليلة والملحوظة كمشروع مدينة السلطان هيثم.
ولأنه تم ذكر مشروع مدينة السلطان هيثم كاستثناء، فهل كان ما تم تنفيذه إلى هذه اللحظة وبهذه السرعة أن يتم لولا وقوف جميع الجهات الحكومية مع هذا المشروع الوطني المهم، وعليه، فالمقترح من خلال هذا المقال أن يتم تطبيق ما تم تطبيقه في هذا المشروع، أن يتم تطبيقه كفكر حكومي في باقي أو معظم المشاريع الوطنية ذات الأولوية الأولى، والتي لا تحتمل التأجيل لأسباب مالية أو لأي أسباب أخرى، وأن يكون هذا التوجه هو القاعدة.
ربما من الصعوبة تطبيق ذلك على كل المبادرات أو المشروعات الوطنية، ويمكن تطبيق هذا المبدأ "ما لا يدرك كله، لا يترك جله"، وعليه يمكن تطبيق هذه القاعدة على المشاريع المشتركة، بمعنى التي يمكن تمويلها من عدة جهات حكومية لكي تسمى مشروعا، ويكون ذلك بتنفيذ مقترح عبارة عن تأسيس صندوق يمكن تسميته (صندوق المشاريع الحكومية المشتركة).
وبذكر المثال يسهل المقال، كمثال تبادر إلى ذهني دون قصد معين كـ"تنفيذ حملة ترويج" لمهرجان خريف ظفار في إمارة دبي، ولأن الكلفة قد تكون عالية، فلن تستطيع المخصصات المالية لمكتب المحافظ أو المخصصات المالية للمحافظة أو مخصصات بلدية ظفار أن تغطي هذه الحملة الترويجية بنفسها، ولكن إن تشاركت في طلبها مع وزارة التراث والسياحة، فإنه بالإمكان إقناع وزارة الاقتصاد بأهمية هذا المشروع كعوائد مالية واقتصادية واجتماعية، وعليه يمكنهم التقدم إلى وزارة المالية لتمويل هذا المشروع جزئيا، وبذلك تشارك وزارة التراث والسياحة بجزء من تكلفة الحملة، ويشارك معها مكتب محافظ ظفار، واقتطاع جزء من مخصصاته المالية، وتتحمل وزارة المالية باقي مصاريف الحملة شريطة موافقة وزارة الاقتصاد على جدوى هذه المبادرة أو هذا المشروع، ويبقى كمثال توضيحي ليس إلا.
مقترح الصندوق هدفه استهداف المشاريع الاستثنائية وغير المذكورة في الخطط الخمسية أو المشاريع المرصودة، وإنما مشاريع مشتركة توافقت عليها جهتان حكوميان أو أكثر، ووافقت على جدواها جهة حكومية إضافية وهي وزارة الاقتصاد كجهة مستقلة، وتشاركت معها جهة إضافية وهي وزارة المالية بعدما رفع لها الجدوى الاقتصادية والاجتماعية، وأشرف على تنفيذها من البداية إلى النهاية جهة حكومية مستقلة، وهي هيئة المشاريع والمناقصات والمحتوى المحلي.
الصندوق المشترك للمشاريع الحكومية يمكن أن يحقق عدة أهداف، أهمها:
- مشاريع نوعية إضافية: وهذه المشاريع الإضافية لم يتم رصدها كمشاريع في الخطط الخمسية وحتى الخطط السنوية، وبالتالي فإن هذه المشاريع ستضمن حراكا اقتصاديا وتجاريا واجتماعيا.
- الجرأة في القرار الحكومي: هناك مشاريع مهمة، وبسبب التكلفة المالية لجهة حكومية واحدة يتم تأجيلها، ولكن إن تشاركت جهتان أو ثلاث جهات وبدعم إضافي من وزارة المالية، فإن الجرأة تكون حاضرة، والسبب أنه تم توفير العوامل المساعدة لهذه الجرأة المحمودة.
- الحوكمة: لا يمكن اعتماد أي مشروع إلا بعد الحصول على جدواه الاقتصادي والاجتماعي من وزارة الاقتصاد كجهة مستقلة لتقييم جدوى المشروع من عدمه.
- المسؤولية المشتركة: سوف تهتم الجهات الحكومية المبادرة والممولة بنجاح المشروع المشترك، لأنه لن يحقق هدفا واحدا، وإنما أهدافا عديدة بالتوظيف وتشغيل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق عوائد مالية، وغيرها من الأهداف التنموية.
- روح الفريق الواحد: هذا الصندوق التمويلي المشترك يعكس العمل الحكومي المشترك في أفضل صورة، وهذا مطلب مجتمعي مستمر، وهدف حكومي مستدام.
- سرعة تحقيق رؤية "عُمان ٢٠٤٠": المشاريع التي يتم إقرارها وتنفيذها لن تكون قليلة، وسوف تكون نوعية، وبالتالي ستسهم في سرعة الوصول إلى مستهدفات رؤية "عُمان 2040" في وقت قياسي وقبل الأوقات المخططة لها، والسبب أنها نتاج فكر وتمويل وتقيم وتنفيذ وإشراف لأكثر من جهة حكومية في ذات الوقت لذات المشروع.
- العمل بفكر ابتكاري: هذا الصندوق التمويلي لن يركز بالضرورة على المشاريع المكلفة ماليا، إنما سوف يركز على المشاريع الجماعية المبتكرة، والتي يمكن أن تحقق أهدافا عديدة قبل اعتمادها في المرحلة الأولى، وهي مرحلة نجاحها في الجدوى الاقتصادية، والتي لا يمكن أن تنجح في تقييمها ما لم تستوف عددا من المعايير، وحققت العديد من الأهداف التنموية التي لا بد أن تقنع وزارة الاقتصاد لتنتقل إلى المرحلة التي تليها في الحصول على باقي التمويل من وزارة المالية.
هذا مقترح مبدئي، ويمكن أن يؤطر بمهنية عالية من جهات التخصص يضم معايير المشاريع، ونسب التمويل من كل جهة حكومية، والأهداف المراد تحقيقها، ورأس مال الصندوق، وكيفية إدارته، وغيرها من تفاصيل.