إشكاليات الحساب الختامي للدولة

 

مسلم سعيد مسلم مسن

العديد من جوانب الأهمية يحظى بها الحساب الختامي للدولة، بالأخص على صعيد السياسة المالية لأنه يعكس مُخرجاتها على المدى القريب، ويقيس مدى فاعلية تطبيق أداة الميزانية العامة للدولة ومدى الالتزام بالمخطط فعلياً خلال السنة المالية من خلال ما توضحه نتائج الحسابات الختامية لجميع بنود الإنفاق.

وقبل أن نلقي نظرة على الحساب الختامي للدولة للعام المالي 2020 الذي نشر مُؤخرًا بموجب القرار الوزاري رقم 113/ 2021 الصادر من وزارة المالية، كما هو معمول به طيلة السنوات الماضية، لابُد أن نوضّح الظروف المالية والاقتصادية التي طرأت منذ الربع الأول للعام المالي 2020- طبعاً بعد إجراءات اعتماد الميزانية العامة للدولة 2020- والتي من أهمها متلازمة انخفاض أسعار النفط والجائحة الصحية "كوفيد19"، فقد أثَّرت بشكل مباشر على المنحى الفعلي للميزانية وانعكس ذلك على نتائج الحساب الختامي، فبينما توقعت الميزانية للعام المالي 2020 متوسط سعر للنفط لا يقل عن 58 دولارًا للبرميل، جاءت الأرقام الفعلية لسعر البرميل لتشير إلى 47.6 دولار للبرميل، نتج عنه عجز فعلي بلغ حوالي 4.4 مليار ريال عماني، مقارنة بعجز تقديري كان في حدود 2.5 مليار ريال عُماني عند اعتماد الميزانية. ولا شك أن هذه الظروف المؤثرة على أكبر مصدر إيراد للميزانية كان لها تداعيات غير مباشرة على الإيرادات غير النفطية، التي هي الأخرى مرتبطة بالإنفاق المتأتي من النفط، وكذلك تأثرت بالإغلاقات والنشاط الاقتصادي المتراجع جراء الجائحة. وتوضيح مثل هذه الظروف مهم جدًا عند تفحص نتائج الحساب الختامي للدولة للعام المنصرم، خصوصًا في جانب الإيرادات التي تُشير الأرقام إلى أنه انخفض بمعدل يزيد عن 20%، هذا من الناحية الكلية. أما بالنسبة للإيرادات النفطية فقد انخفضت من 5.5 مليار ريال عماني متوقعة في 2020، لتصل إلى 3.9 مليار ريال عماني مُحصَّلة فعليًا فقط، أي نقصت بأكثر من مليار ونصف المليار وبنسبة لا تقل عن 29%، وذلك بطبيعة الحال انعكس على الإيرادات غير النفطية وخصوصًا شق الضرائب والرسوم التي انخفضت، وفق أرقام الحساب الختامي.

كل هذا التحليل متوقعٌ قبل حتى أن نقرأ نتائج الحساب الختامي للدولة للعام المالي 2020 المتعلق بشق الإيرادات، لكن ماذا عن إدارة بنود الإنفاق العام الجاري والرأسمالي والإنمائي منها؟

تشير نتائج الحساب الختامي إلى أن إجمالي الإنفاق العام بلغ حوالي 12.9 مليار ريال عماني مقارنة مع 13.2 مليار ريال عماني كانت مقدَّرة في الميزانية المعتمدة؛ أي أن هناك انكماش هامشي في عمليات الصرف عمّا هو مخطط، ولربما من المناسب تحليل هذه البنود، على الأقل من الناحية الكلية، كما يلي:

1- المصروفات الجارية: هناك انخفاض نسبي لجملة المصروفات الجارية من 9.8 مليار ريال عماني وفق المخطط، إلى حوالي 9.4 مليار ريال عماني فعليًا، ويعزى هذا التحسن في إدارة المصروفات الجارية إلى بند مصروفات الدفاع والأمن، مع ثبات المصروفات الجارية للوزارات المدنية واستقرارها. أما البنود الأخرى المتعلقة بمصروفات النفط والغاز- فسيتم استبعاد مصروفات النفط والغاز من الميزانية العامة بعد إنشاء شركة تنمية طاقة عمان ومتوقع أن يظهر ذلك في ميزانية 2021- فقد اتجهت صعودًا عن المخطط، بالأخص بند مصروفات شراء وإنتاج الغاز.

ويبدو أن طبيعة هذه المصروفات الجارية ذات الطابع المتكرر والحتمي، من الصعوبة بمكان التحكم فيها، إلا في الحدود الضيقة، كما إن بعض القرارات الحكومية الخاصة بإعادة الهيكلة وتطوير الجهاز الإداري للدولة تحتاج مزيدا من الوقت، ولن تنعكس نتائجها مباشرة في الحساب الختامي للعام المالي 2020.

2- المصروفات الاستثمارية: هذا البند دائمًا ما يُسهم في مواجهة تراجع النشاط الاقتصادي إذا ما تمت إدارته بفاعلية، من خلال ضخ المزيد من المشروعات الإنمائية والاستثمارية؛ لتحريك مختلف القطاعات الاقتصادية. ويبدو- من خلال نتائج الحساب الختامي- أن الصرف الفعلي لهذا البند كان في حدود المُخطط له، وبالتالي فإنَّ تأثير هذا البند من الناحية الاقتصادية قد يكون محدودًا مع إيجابية الالتزام بالصرف، ولابُد من القول إن التأثير الاستثماري للمصروفات على النشاط الاقتصادي والنمو، تدخل فيه متغيرات أخرى خارج نطاق الحساب الختامي أو غير مشمولة في دليل هذا الحساب مثل: المصروفات الاستثمارية للشركات الحكومية (القروض والصكوك) غير الممولة من الخزينة العامة، والنشاط الاستثماري للقطاع الخاص المحلي والأجنبي واستثمارات صناديق التقاعد، وبالتالي من الصعوبة الحُكم على فاعلية هذا البند على مستوى الاقتصاد، لكن يبقى أداةً يمكن للحكومة تفعيلها متى ما كان هناك تراجع عميق، وهذا- كما أشرنا- لم يظهر جليًا في نتائج الحساب الختامي لهذا البند.

وعلى ضوء ما تقدَّم، يأتي الحساب الختامي للدولة للعام المالي 2020، ليعكس نتائج سنة مالية كانت صعبة جدًا في تاريخ الاقتصادات العالمية والاقتصاد الوطني- كون التأثير كان عالميًا- وبدأت الآن الأوضاع تتحسن بشكل واضح، بعد تعافي أسعار النفط وانحسار جائحة كوفيد19، وما هو مؤكد وفق النتائج الفعلية حتى نهاية الربع الثاني من 2021 أن الحسابات الختامية للعام المالي 2021 مبشرة جدًا، من حيث مستويات العجز، وإدارة بنود الإنفاق.

لكن.. ما مجالات تطوير دليل الحساب الختامي للدولة في السنوات المقبلة؟

من وجهة نظري، من المهم أن يعكس دليل الحساب الختامي الوضع المالي للدولة للإسهام في رسم مشروع ميزانية ملائم للسنة المالية المقبلة، كما إن تقديم تاريخ نشر إعلان الحساب الختامي عمّا هو معمول به حاليًا يُحسِّن من عمليات التخطيط الاقتصادي والمالي للبلاد، ويعمل على توفير التغذية الراجعة "Feedback" عن نتائج أهم أداة في السياسة المالية؛ وهي الميزانية العامة، كذلك فإن توافر بيان إعلامي أو مؤتمر صحفي يناقش على مستوى الإعلام الرسمي والخاص هذا الحساب الختامي، يُعد من الخطوات المهمة؛ كون الحساب الختامي لا يقل أهمية عن مشروع الميزانية، كما إن وجود آلية مستقبلية لتفعيل مناقشته على مستوى اللجان المختصة بمجلس عُمان- قبل إجراءات اعتماده- مجالٌ آخر من مجالات تطوير هذا الدليل، وذلك على غرار مناقشة مشروعات الخطط والميزانيات.