مدن تفهمنا أكثر مما نظن

 

فاتن دونغ - صحفية صينية

 

في الآونة الأخيرة، شهدت الصين زيادة ملحوظة في عدد السياح الأجانب، حيث قام العديد من صانعي المحتوى على منصات مثل يوتيوب بتوثيق تجاربهم اليومية في المدن الصينية.

ما يثير الدهشة في هذه التجارب ليس فقط المعالم الشهيرة أو ناطحات السحاب، بل أيضًا التفاصيل اليومية التي أصبحت بالنسبة لي جزءًا روتينيًا من الحياة. مثل نظام الملاحة الذي يعرض العد التنازلي لإشارات المرور، أو إمكانية تتبع الحافلات في الوقت الحقيقي، أو دمج وسائل النقل المختلفة -من المترو إلى الدراجات العامة- في اقتراح موحد للمسار الأمثل.

لقد أعادت مشاهداتهم لي الإحساس بما قد غاب عني بسبب الاعتياد. بالفعل، أصبحت هذه المزايا أمرًا بديهيًا لا ألتفت إليه كثيرًا. لكن من خلال أعين الزائرين، أدركت أن هذه "البديهيات" ليست متاحة للجميع في كل مكان.

على سبيل المثال، خدمات التنقل ليست دقيقة وسلسة فحسب، بل تعتمد أيضًا على تكامل شامل بين أنظمة المرور، وتحليل البيانات الضخمة، والتخطيط الذكي. من توقيت الإشارات إلى تتبع وسائل النقل العامة وتقديم خيارات تنقل متعددة، كل هذا يعكس تنسيقًا عميقًا بين المؤسسات والمنصات الرقمية.

في مجال الرعاية الصحية، تلاشت أيام الطوابير والدفع المسبق واسترداد التكاليف. اليوم، يمكنني بكل سهولة حجز المواعيد، ودفع الرسوم، والاستفادة من تغطية التأمين الصحي، كل ذلك عبر الهاتف المحمول. حتى بطاقة التأمين الصحي أصبحت رقمية، مما يسهل استخدامها دون الحاجة لحملها فعليًا.

كما أن الخدمات الحكومية شهدت تحولًا كبيرًا. فإجراءات مثل تسجيل الإقامة أو دفع الضرائب الشخصية يمكن إتمامها بالكامل من خلال التطبيقات، دون الحاجة للذهاب إلى المكاتب أو تقديم مستندات مطبوعة. لم تعد الخدمة الرقمية مجرد "نقل إلى الإنترنت"، بل تحولت إلى فلسفة جديدة تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتسهيلها.

تجسد هذه التغييرات رؤية واضحة في إدارة المدن الصينية، كما عبّر عنها الرئيس شي جين بينغ بقوله: "المدينة تنتمي لشعبها، ويجب أن تُدار لخدمة شعبها. سواء في التخطيط أو البناء، يجب أن نركز على احتياجات المواطنين."

وعلى الرغم من أن مصطلح "المدينة الذكية" قد يبدو تقنيًا ومعقدًا، إلا أنه بالنسبة لي يتمحور حول العيش في مدينة تفهم احتياجات سكانها وتلبيها بسلاسة. التكنولوجيا ليست الغاية، بل الأداة التي تجعل حياتنا أكثر راحة وكفاءة. فالنجاح لا يُقاس فقط بالإمكانات التقنية، بل بما هو مفيد ومريح للناس في حياتهم اليومية.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة