المساء الجديد

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

 

بعض الوجوه لا تنسى وبعض الأرواح تبقى ملازمة لي أينما وجهت وجهي يلفني الحزن ويعتريني الأسى وأحاول جاهدة الابتسام ودموع تتساقط في سباق سريع وتملأ تفاصيل وجهي أحزان كثيرة ومسافات طويلة من وجع الرحيل.

سلطنة حب كانت تُحاصرني جنون ومتاهات لا نهاية لها إلا الموت.. وداعا يلوح في الأفق أحاسيس مبعثرة وجراح ثكلى وأيام ثقيلة لم أعهدها من قبل، لا جديد إلا المساء الجديد الذي عبر مني وملأ الرحاب سكونا آخر وفجرا جديدا وقلوب صادقة شعارها التفاؤل والسلام والخير.. أين أنت؟! تدور الساعات وأعود أدراجي متعبة حزينة لا أراك ولا أجدك ولا أنظر إلى وجهك؟! هل كنت ملكا من عالم آخر أو قطعة من الجنة وعدت لها..!

هكذا هم الطيبون دائمًا يرحلون سريعًا الراحلون الذين أخذوا مكانهم في قلوبنا وتوسدوا صدر الأماني لم يعبثوا وكانوا صادقين فهذا العالم لا يتسع للصادقين؛ بل هو مستنقع للقلوب الجارحة.. كان الجو جميلا جدا وكانت السماء غائمة…

"يا أكثر شخص احتاج لحضوره"، تمتمت أم عبدالله لراحلها أبي عبدالله بصوت حزين فقد كان يضج قلبه بحب الحياة كان ضاحكاً مبتسماً في كل مرة رأيته بها وكان كريما وحنونا وصادقا في زمن قلَّ فيه الصادقون عندما ذهبت لزيارته في آخر مرة قبل وفاته رأيت شبح الموت يحوم حوله حاولت أن أتماسك حاولت أن أهدأ كم كنت قوية حتى خرجت بعدها انفجرت بالبكاء وجهشت كثيرا استعدادا للوداع.. الوداع الأخير.. كما كانت جدتي خديجة أيضًا قوية وبشوشة وقرر السحرة مُعاقبتها فحولوها بين ليلة وضحاها إلى شخص آخر مصابة بالشلل النصفي تمهيدا للوداع الأخير.

لا أنسى وجه أخي أحمد وحزنه الشديد عند وفاة عبدالله الشيدي صديقه الصدوق قال أين أخي؟! وبقي يتقلب في صالة المنزل وكنت أشاهده ولا أعلم شيئاً عن الموت فقد كنت صغيرة وقتها.. أما في رحيل شيخ الإنسانية الشيخ زايد بن سلطان كان أبي من المشاركين في الوداع الأخير وكنت هناك أيضاً لكن في طريق عودتنا من أبوظبي إلى ولاية صحم والبكاء لم يتوقف على من رحل.. لأصلُ إلى المشهد الأصعب عندما صحوت من النوم في الساعة الثامنة صباحاً والسماء تضج بأحزانها وجروحها ووسائل التواصل الاجتماعي ملئت هاتفي بالأخبار السيئة نطقت بصوت لا أنساه (هو لا يموت) لكنه رحل.. أصابتني حالة من الجنون أردت الخروج إلى الشارع للوصول إلى الجامع الأكبر لأراه ولأصدق عيني لكن لم أتمكن من ذلك بقيت حزينة طويلاً ولم أخرج من المنزل إلا بعد 3 أشهر وكان المسير إلى مقبرة آل سعيد.

عندما وصلت ارتاح قلبي قليلاً وهدأ.. وكم أتمنى من قلبي أن يهدأ الآن لازلت أتصارع معه ولا زال مصرًا على العناد فهو لن يهدأ.. لن يهدأ.. مسائي الجديد كان ناقصا وباردا وكئيبا وأكواب الشاي الساخنة لم تغير ساكنا.. أغلب الأحزان التي تعترينا تنبش قبوراً في صدورنا وينام فيها حلمنا المكسور وخذلاننا المستمر وأولئك العابرون الذين نسجوا من دموعنا قميصاً لهم ورشوا على أعين أناسهم الملح.

لكن.. ستشرق الشمس وسينجلي الليل الكئيب وسنعود أقوى فنعمة النسيان لم توجد عبثاً ستطير حمامة السلام البيضاء بدونهم سينجلي الليل الكئيب سنشتاق لهم ولكن سيبقون في دعاء الأرواح للأرواح في كل صلاة وكل تضرع وكل مُناجاة وذكرى، رحم الله كل من رحل إلى عالم سنرحل إليه جميعنا.. لا فرح يدوم ولا حزن يبقى أما الطيور المهاجرة فلها عودة من جديد.