السياحة ليست عجلة

 

سمير الهنائي

abunamir.mms@gmail.com

 

إنَّ تطوير القطاع السياحي في كل مُجتمع يحتاج لإشراك الجميع في صناعة هذا المجال دون استثناء؛ بل إن غالبية الدول السياحية حول العالم قامت على هذا النمط من التعاون من أجل تقديم جودة عالية في خدمة هذا المجال.

فمثلًا عندما بدأت فكرة الأكواخ الخشبية لتكون نزلًا سياحية في كل من تُركيا والنيبال كانت بأفكار ومبادرات فردية من المواطنين، لاسيما من المزارعين البسطاء الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية الوطن لتمتد لاحقاً إلى إقامة المنتجعات المستوحاة من الفكرة ذاتها، وهكذا..

أيضًا ما قامت به دول شرق أوروبا والبلقان في إعادة تأهيل القرى القديمة، وها هي التجربة وصلت إلى شبابنا العمانيين وبمبادراتهم الفردية من أجل تطوير مشاريع البيوت القديمة أو كما يعرف بالنزل التراثية؛ ليشاركوا الحكومة في مهمة تنشيط المجال السياحي.

فالإيمان بأنَّ السياحة يصنعها ذوو الشهادات العليا والخبرات الفلكية فهو إيمان غير حقيقي، وبينما الدول السياحية تتجه نحو سياحة المجتمع المحلي نحن نذهب إلى بعيد نوعا ما. يقولون إن المرافق العامة ليست من اختصاص وزارة السياحة!! حسنًا على الوزارة أن تبادر بمناشدة "الجهة المعنية" بالأمر؛ كون المرافق العامة إحدى متطلبات السياحة في مختلف دول العالم، هذا ما نعرفه شخصيًا وما أتيح لنا مشاهدته في المواقع السياحية حول العالم.

كذلك في الآونة الأخيرة ومع الأسف بعض الآراء تحاول أن تؤسس لقواعد خارج الإطار الحقيقي لمفهوم السياحة كاقتصار الرأي في تطوير المشاريع فقط على المختصين. مع العلم، وهو ما قد لا يفهمه البعض، بأن السائح أو السائحين بشكل عام أينما كانوا لهم الدور الأبرز في تطوير القطاع السياحي؛ نتيجة نقلهم لتجارب الدول الأخرى في صناعة السياحة داخل مجتمعاتهم، من خلال بناء قاعدة بيانات وآراء وأفكار في كل دولة تصنع السياحة، ولا يمكن إقصاء خبرات أو آراء السائحين حتى لو كانت غير مجدية وليس شرطاً الأخذ بها، فقط على الأقل نحاول دراستها وتقبلها دون أن نقلل من قيمة أي فكرة ينقلها لنا السائحون في بلدنا، صدقوني هناك دول قامت سياحيًا من مجرد فكرة نقلها باعة متجولون على الرصيف وبمجرد رأي من سائح زار دول العالم ونقل تجربة لمشروع ما وتم اعتماده في بلده.

السياحة ليست خبرات يا أعزائي.. وليست شهادات جامعية! وليست عجلة تدور وسط ميناء مطرح ذي إطلالة على الولاية تمتد حتى القرم وروي!

هذا ليس تقليلاً من هكذا مشاريع، لكن الواقع يحدثنا ماذا فعلنا في هذا المجال خلال 51 عاما؟! ماذا أنجزنا وماذا قدمنا للسائح؟! إذا تحدثنا بلغة الأرقام، فهذه هي الحقيقة!

هذا هو الميدان اليوم ويجوز لنا كمواطنين المقارنة بين دول فقيرة المقومات لكنها قامت سياحيًا، وبين بلادنا الجميلة الزاخرة بالمقومات التي لا تحصيها المقالات!

وحول موضوع العجلة الذي هو عنوان المقال، فإنها فكرة قامت بها دول كبرى سابقاً والآن دول خليجية وأخرى عربية بدأت بتشغيلها، فالعجلة أو "عين العجلة" هي إضافة جديدة تقدم خدماتها للسائح من أجل الاستمتاع بمناظر وإطلالات خلابة للمدن من على ارتفاع شاهق لتكون ذات عائد في مشاريع مُتكاملة.

فإذا كانت الدراسات التي نقوم بها على أمد قصير فعلينا ألا نفكر في المجال السياحي إطلاقاً، لأن سياحتنا تبدأ حينما نُهيئ المقومات وننمي مواردنا الطبيعية أو الصناعية؛ لتكون بلدنا من الدول التي تملك تلك الرغبات التي تجذب السائح، فلا تقول لي إنَّ مشروع التلفريك غير مُجدٍ لمجرد أن بياناتي وإحصائياتي السنوية للسائحين ضئيلة، فهذه معادلة من وجهة نظري غير صحيحة، وخطى غير واثقة في صناعة هذا المجال. من المستحيل أن يأتيك السائح دون أن تُقدم له شيئًا، لذا علينا أن نخرج من الصندوق القديم ونتوجه نحو آفاق وطموحات تواكب "الحداثة" مع العالم الجديد، وهو عالم وجيل متسارع وأفكاره متباينة عن عصور مرَّت وحضارات عدة قامت على وجه البسيطة.

على سبيل المثال في منتصف القرن الماضي كانت تنشط سياحة المسارح والسينما والموسيقى ومعارض الرسم في المنطقة، فكان بعض العُمانيين يذهبون إلى أبوظبي أو الكويت على "باخرة" من أجل حضور حفلات السيدة أم كلثوم أو عبدالحليم حافظ وغيرهم من نجوم الغناء العربي حينها.

كما إن السياحة الطبية باتت سوقًا رائجًا في العاصمة التايلندية بانكوك، وكذلك الحال في جمهورية الهند، وفي العاصمة الآذرية باكو، والمنامة بالبحرين التي تحتضن سياحة رياضة المحركات وتستضيف بطولة "فورميلا 1"، والتي تجذب الجيل الحاضر من الشباب؛ لدرجة أشعر بالامتعاض لعدم توفر غرف فندقية شاغرة في تلك الفترة في كلا البلدين، كما إن البوسنة والهرسك وأثيوبيا وكينيا تجذب هواة الصيد من مختلف دول العالم ونشطت سياحة الغابات والصيد البري، ولم يعد الأمر مقتصراً على السياحة العائلية فحسب، ناهيك عن دول عديدة أصبحت تواكب رغبات الجيل الحاضر دون أن ننتقص من السائح الذي يهوى التراث والأماكن الأثرية؛ فهي أيضًا لها مغرموها وتتميز السلطنة بهذا النوع من السياحة، لكن علينا أن نفكر في الفئة العمرية من الشباب الذين يزورون السلطنة وأن ننشئ منضدة خاصة أو لجاناً منتشرة لتنفيذ استبيانات واستطلاع لرأي السائح للسلطنة، وأنا لا أتوقع أن الجهات المعنية نفذت عمليات استبيان ثابتة وأخذت مقترحات من السياح في جميع المنافذ داخل السلطنة.

السياحة ببساطة دون الدخول في نقاشات وتنظيرات أكاديمية، هي توظيف وتطوير لمقومات طبيعية أو صناعية تستطقب السائح حول العالم. السياحة أيها الأعزاء، صنعتها دول دون مقومات طبيعية، فقط بمجرد أفكار صناعية، من خلالها وصلت تلك الدول إلى مصاف دول العالم في هذا المجال، فما بالكم بهذه الأرض العظيمة- عُمان- التي حباها الله بكل معاني الطبيعة التي لم تتدخل الآلة لصناعتها.

أرجو من مسؤولينا الكرام أن يكونوا أكثر رحابة صدر في تقبل الآراء من المواطن والسائح، فنحن نعلم يقينًا أن هناك من الآراء التي لا ترقى لأن تكون رأيًا قابلًا حتى للدراسة، لكن على الأقل نأخذ بالآراء المتزنة.. ومرة أخرى أقول كذلك السياحة ليست شهادات أو خبرات فحسب.

إننا ماضون في تنفيذ رؤية "عمان 2040" في المجال السياحي، وعلينا أن نجيب على سؤال: ماذا سنقدم من أجل تنفيذ هذه الرؤية؟! هل ننتظر تزايد أعداد السائحين حتى نبادر بالتطوير؟! أم نبدأ ونتوكل على الله في بناء المشاريع السياحية ونعمل بشعار "زُرْ عُمان إنها وجهتك أيها السائح".

لقد حان الوقت لندفن عقيدة عفا عليها الزمن تقول "احصِ عدد سائحيك ثم لاحقًا قم بالتطوير"، وهذه رؤية- من وجهة نظري- غير مُجدية، وبهذه الطريقة سيعود السائح إلى وطنه وسيخبر أصدقاءه ومعارفه أنَّ هذا البلد لا يستحق الزيارة؛ لأنه ينقصه الكثير من الخدمات، هكذا هي المسألة ببساطة.

وأخيرًا.. إذا تحققت الرغبة والإرادة، سيتحقق النجاح، خاصة وأن الموارد والمقومات موجودة في السلطنة، ويتبقى فقط نشاط الكوادر الحقيقية الجادة.