سعيدة خاطر.. وفلسفة جبر الخواطر

ناصر أبو عون

عزيزي القارئ.. هل تعرف سعيدة خاطر؟ أنا أعرفُ امرأة اسمها سعيدة خاطر؛ تملك “قلبا”؛ يفيض حنانا على من حولها من الأغراب والأباعد قبل ذوي القربى، و”عقلا” يسيل رُجحانًا على من يقصد مشورتها، و”روحا” ترفرف على من يطلب معونتها، و”نورا” يتشظّى مصابيحَ وضاءةً على من يجلس في حضرتها.

إذا جمعتك المصادفة يوماً بسعيدة خاطر سترى “الرجولة” في أزهى مبانيها، و”الجرأة” في أبهى مغانيها، و”الثورة” في أنقى معانيها، و”الكتابةَ” في صدقِ غايتها، و”القصيدة” في عُمق رسالتها، و”البلاغة” في صدى كلماتها، و”الصورة الشعرية” في تمام حُلتها، و”النقد الاجتماعيّ والأدبيّ” في موضوعيته، و”البحث الأكاديمي” في رصانته.

سعيدة خاطر في شبابها كانت “أيقونة تربوية عُمانيّة”، و”مشكاة تنويرية عربيّة” تُشّع بنور العلم، و”نجمة وطنية لا تخبو” تسطع في سماء الوطن تتابع أحداثه، وتشارك في فعالياته، وتعلّق شعاره على صدر الزمان، وكانت حياتها “رِساليةً”، و”ملهمةً”، و”نبراسا”، وصارت خطواتها نحو الدرس الأكاديمي “مصباحا”، ومشاركتها في دعم وترسيخ البنية التحتية للمشهد الثقافيّ العماني “سراجا” لا ينطفئ تعطي بلا حدود، وفي محراب التعليم تخرّجت على يديها فصائل تترى من “بنات قابوس”؛ نِسوة لا يعرف المستحيل لهن “سبيلا”، وشيبةً وشبيباتٍ يحملن نور العلم “قنديلا”، تشربن مبادئها، وعلَّقن إبداعها تمائم شرفٍ على صدورهن، واقتدين بجرأتها وسطوتها وفلسفتها في مناظرة الرجال “فكرًا وأدبا”، وسِرن على دربها العلمي “حسبًا ونسبا”، وشاركن الرجال في استنهاضِ تاريخ عُمان النهضويّ كتفا بكتف.

أما إذا بحثتَ عن تاريخ ولادة سعيدة خاطر الإبداعيّ، فهي ابنة سبعينيات القرن العشرين وتياره الشعريّ بسائر ملامحه، ومختلف مشاربه، وتنوّع توجهاته الفنية، وتمايز انتماءاته الفكرية، جيل يشعل فتيلة الإبداع في كل سهلٍ يحط فيه رحاله، وينثر بذوره في كل محفل يستظل تحت أفياء أشجاره، ومازال تأثيره الأدبي ينشر سحابته على الأجيال المتعاقبة ويُسمَع صداه في جنبات الأودية؛ جيل رضِع المرارة من ثدي هزيمة حُزيران المنكسر في ستينيات القرن المنصرم؛ ولكنه سرعان ما اشرأبت أعناقه مع عبور القوات المصرية الضفة الشرقية لقناة السويس عام ثلاثة وسبعين وتسعمائة بعد الألف، في هذه الأيام كانت قد تشكّلت ملامح نهضة مباركة في سلطنة عُمان بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيّب الله ثراه- متكئةً على تاريخ تليد يضرب بجذوره في أعماق الزمنِ عبر أربعة آلاف عام ونيف. ومن رحم هذه النهضة تناسلت أجيال وتعاقبت مجاميع من الشعراء ملأت أصداء إبداعاتهم الشعرية والنقدية أسماعَ الدنيا.

من هذا المعين الحضاريّ الممتليء “خيرًا”، والفائض “شعرًا”، والماتح “أدبًا”، والمتدفق “نثرًا”، والدافق “نقدًا”، والناطق “درًّا”، والمستند على دولةٍ وتاريخٍ عريق، وسلطانٍ يتحدّرُ من نسلِ أقدم سلالةِ ملكيّة على وجه البسيطة خرجت الشاعرة والناقدة العُمانية سعيدة خاطر.

سعيدة خاطر امرأة استثنائية وسط قريناتها في المشهد العربيّ فقد تفرّدت وتفوقت على شقيقاتها العربيات في الخروج من إطار الصورة النمطية الراسخة في الأذهان عن “الصالون الأدبي” حيث المجالس الفارهة، والأفرشة الوثيرة، إلى الهواء الطلق، في مرابض الإبل ومروج الرعاة، والسفرات السياحية، والمغامرة عبر الدروب الوعرة، والمماشي الجبلية الصاعدة والملتوية، ليتحول الصالون سنويا “حدث عربيّ” و”تظاهرة سياحية”، و”أيقونة أدبية” تجوب الولايات العُمانية والبوادي الصحراوية، وعواصم الأقاليم الحضارية، ويعقد جلساته في الساحات والقلاع والحصون الأثرية، ويتنقلّ بين الفيافي والواحات والأودية؛ ليستنطق ضيوفُه العربُ والعمانيون عبقَ التاريخ، ويستنشق روّاده ومتابعوه أبخرة الإبداع، ويستعذب مستضيفوه أمواه الأفلاج المتدفقة، وكرم الضيافة العمانية المتنوّعة.