حاجر بني عمر وحفظة القرآن (2)‎‎

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

حقًا أنَّ حُبَّ بلدة حاجر بني عمر محفورٌ في صخور جبالها، ومنحوتٌ في خلايا صدور رجالها، ومدفونٌ بين حنايا أرحام نسائها؛ فيولد الطفل منهم وهو ينادي أين الحاجر بلد الجحافلة الأكابر، لا يُضام فيها مسافر ولا حاضر، ويخرج منها الساحر حائرا؟! أقرأ هذا وأتذكر في خِضم الحديث عنهم قول الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم، (ت 39 ق) وكأنّي به يخصهم بحديثه، عندما قال:

ألاَ لاَ يَجْهَلْنَ أَحَدٌ عَلَيْنا

فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينا

مَلأنَا البَرَّ حَتَّى ضاقَ عَنَّا

ونَحْنُ البَحْرُ نَمْلَؤُهُ سَفِينا

إذا بَلَغَ الرَّضِيعُ لَنَا فِطاماً

تَخِرُّ لَهُ الجَبابِرُ ساجِدِينا

خرج منها كثيرٌ من الناس؛ لظروف الحياة، لكن لم يخرج حبّها والغيرة عليها من قلوبهم ووجدانهم؛ فهو يضطرم أُواره نارا حامية، كلما ذُكِرت في محفلٍ من المحافل، أو جاء اسمها منقوشا في صفحة من صفحات المجد؛ فقد أسعدني ذلك التواصل الذي انهمر على هاتفي من كل حدب وصوب، مهللين ومكبرين ومسبِّحين ومحوقلين، ومترحِّمين وشاكرين، ومسددين ومقاربين، وفي ذات الوقت موجّهين ومرشدين؛ فاستبشرت خيرًا جرّاء ذلكم التفاعل الكبير من الآباء والأخوة تجاه المقالة التي جرى القلم بمداده في تحريرها، وسطر الفكر بمدده في تحبيرها. والتي حملت عنوان: حاجر بني عمر وحفظة القرآن، بتاريخ 4 أغسطس 2021، مما يجعل الباحث-أيّ باحثٍ- يتغلب على منكدات ومنغصات البحث وما أكثرها، ويزداد إصرارا واستمرارا في مواصلة بحثه، بسبب هذا التفاعل الراقي منقطع النضير، والذي يعكس حب الناس للقرآن وأهله. ثم إنّ هذا العدد الكبير من معلمي القرآن في بلدة واحدة، في زمن كان حَمْل القلم فيه جريمة يعاقب عليها القانون، هذا العدد الوفير من المعلمين والمعلمات والتي طالتهم يد البحث يجعل من الباحث أكثر اطمئنانا على الأحكام التي أطلقها وبنى عليها والتي في العادة يصدرها بناء على عينة الدراسة التي تتوفر لديه.

هذه الإشارات التي بين أيدينا فيها من الدلائل الواضحة، والبراهين الساطعة على وجود مجالس علمية تُقْرأ فيها الكتب الدينية واللغوية في الصباح، والرواح بدليل إتقان كثيرا من كفيفي البصر لكثير من فنون العلم وعلى رأسها القرآن الكريم وحفظ الأشعار، وشذرات من فقه الصلاة والزكاة والصيام والحج؛ لأن المجالس في ذلك الوقت كانت بمثابة مدارس يتخرج فيها النشء، بعد أن يتقنوا كثيرا من فقه المعاملات والآداب والأخلاق الحسنة، إلى جانب أنها مجالس برلمانية يتشاور فيها أهل الحِلّ والعقد ما يعنّ لهم في شؤون حياتهم، ويتبادلون فيها أيضا الأخبار، ويتناولون فيها ما تيسر من الأكل كالتمر وغيره.

وبلدة حاجر بني عمر ليست بدعا من البلدان، ولكن لها نصيبُ الأسد من العلم والمعرفة بكتاب الله بدليل هذه الكثرة الكاثرة من المعلمين والمعلمات- عليهم رحمة الله جميعا- و التي سبق وأن عطّرنا الأجواء بذكر بعضهم، واليوم سنعطر الكون بأسره بذكر ما تقاصر عنه العلم والبحث فيما سبق؛ فأبى العلم أن يسقط اسمٌ من تلك الأسماء اللامعة في سماء ودوحة القرآن الكريم والتي استظلت بظله الوارف فترة من الزمن ليست بالقصيرة؛ فأصبحت من أهل الله وخاصته؛ لأنه-كما جاء في الحديث الشريف- "إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاس قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن هُم ؟ قال: هُم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ" عليه أفضل الصلاة والسلام.

فحريٌ بطلبة العلم أن يحتفوا بذكر هؤلاء المعلمين، وإنزالهم المنزلة التي يستحقونها والتي تليق بأمثالهم في صدارة صفحات كتب التاريخ والأعلام؛ فإنْ لم نحتفِ بهم ونسلط ضوء القمر، بتغيير مساره إلى قبورهم ونيمم مداد القلم إلى سِيَرِهم فبمن سنحتفي؟! جعلني الله وإياكم ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه.

وكما ختمنا المقالة السابقة بذكر أسماء المعلمين والمعلمات للقرآن، سننسير في هذه المقالة على النهج نفسِه، ونختمها بتسطير أسماء الذين لم نذكرهم في المقالة الأولى، وسأبدأ من حيث انتهيت هناك، وقد وصلنا إلى المعلم أو المعلمة رقم (12) وهؤلاء المعلمون هم:

13- المعلّم سالم بن راشد بن بخيت المعمري، جدّ المعلميْن راشد وعبدالله، علّم في الحيلين، ثم في السويق.

14- المعلّم علي بن سالم بن راشد المعمري، والد المعلميْن راشد وعبدالله، وعلّم في الحيلين.

15- المعلّم عِليّ بن حميد بن مسعود المعمري، علّم في حاجر بني عمر، وعلم في حيل الغافة، وفي وادي بني هني

16- المعلّم حمد بن زهران بن حسين المعمري، علّم في بلدة حويل المجاز، ثم انتقل للتعليم في منطقة الخضراء بولاية السويق.

17- المعلّم سالم بن حامد المعمري، علّم في العريق، بولاية السويق.

18- المعلّم خلفان بن سعيد بن بخيّت المعمري، علّم في بلده حاجر بني عمر، وعلّم في بلدة حيل الغافة، ثم انتقل إلى بلدة فلج العالي وعلّم فيها.

19- المعلّم علي بن سعيد بن بخيّت المعمري، علّم في حاجر بني عمر، وعلّم في حيل الغافة، ثم انتقل إلى بلدة فلج العالي وعلّم فيها.

20- المعلّم أحمد بن سعيد بن مرهون المعمري، وعلّم في الثرمد.

عليهم رحمة الله ورضوانه جميعا، وعسى أن نفرد كل معلم أو معلمة على حدة في سلسلة أسبوعية، نذكر فيها تعريفا يسيرا بالمعلم وتاريخ وفاته، وبعض المواقف التي حصلت له مع طلابه، مشفوعا كل ذلك بمنهجه في تعليم القرآن الكريم، خاصة وأنّه لا يزال بعض طلابهم على قيد الحياة.