د. عبدالله باحجاج
من يُراقب أداء الوزراء والوكلاء؟ هذا التساؤل يتبادر إلى ذهني، كلما يصدر قرار أو تصريح من وزير أو وكيل ومن في حكمهم، ويُثير الاحتقان ويشغل الرأي العام، ويرسم صورة ضبابية عن مستقبل العلاقة السياسية بين الحكومة والمُجتمع. وفي كل مرة، تظهر لي فورًا اللجنة التي تم تشكيلها لمتابعة وتقييم أداء كبار المسؤولين في البلاد، وقد تم ترقية تبعيتها لمستوى عالٍ جدًا.. فهل يعقل أن تكون القرارات المثيرة للجدل صحيحة، ويكون الرأي العام في ردود فعله عليها في خطأ؟
أنشئت هذه اللجنة في يناير الماضي، ويفرد النظام الأساسي للدولة الجديد فصلاً خاصاً لمراقبة أداء كبار المسؤولين في البلاد، وتوقيت الإنشاء والفصل الرقابي يؤشر على طبيعة الإرادة السياسية للعهد الجديد، وقد كنت كغيري، يتوقع ارتفاع مستويات الأداء العام، وتعطينا نتائج ملموسة فورية، أبرزها كسب الرضا الاجتماعي، خاصة وأن هناك توجيهات مباشرة وصريحة للتقرب من المواطنين، فلم نلمس مثل هذه النتائج حتى الآن؛ بل العكس، يزداد عدم الرضا مساحة، وعدم الثقة تتأصل في الأجيال، ويكثر الخروج عن المحظورات القانونية، وتتوالى الاستدعاءات المختلفة، وطبعاً هذا ليس حلًا.
هنا 3 تساؤلات لابُد أن تطرح وهي: أين نتائج لجنة المتابعة والتقييم؟ وإلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وكيف ترى الحكومة آفاقه في حالة استمراره؟
ينبغي الاعتراف بوجود إشكالية حقيقية في الأداء، فهل ترصده هذه اللجنة، ورفعت بشأنه تقريرًا عاجلًا بعد أن أصبحت قريبة جدًا من صانع القرار السياسي؟ بحثنا عن الإجابات، فلم تكن في مستوى وحجم هذه الأسئلة، لذلك قررنا أن نفتحها في مقال جديد، رغم أننا في مقال منشور في محتوى حكومي، قد فتحنا قضية دراسة آثار الخطط الحكومية، والتقويم السياسي للأداء العام، وارتأينا في نافذتنا الأسبوعية في جريدة الرؤية التركيز على أداء المسؤولين الكبار، ومن منظور أدائهم في بلورة الخطط والتوجيهات.
ونؤكد مجددًا- ومستقبلًا كذلك- على أن الزمن ليس معيارًا حكميًا للتقييم أو التقويم، كأن يأتي التلويح بالعمر الزمني لـ"المستوزرين" الجُدد وبقية كبار المسؤولين، وإنما العبرة الدائمة هنا، أننا في سباق زمني مع إعادة اكتشاف ذاتنا؛ لتأمين قدرتها على مواجهة الأزمات الداخلية والخارجية، وهى حتمية الحدوث، فلا مجال للأخطاء الاستراتيجية، وكذلك العبرة للآثار السلبية، وما يبطن تحت سطحنا الاجتماعي منها، يكون مدعاة للتقويم العاجل، أكثر مما يبرز فوق السطح، وذلك حتى لا تتراكم تداعياتها تحت السطح الاجتماعي، وتنفجر في أي لحظة، إنها هنا منطقة وعي، ومن الواضح أن لدينا إشكالية معه حتى على مستوى بعض النخب.
مثلًا، من كان يعتقد أن التفاعل الاجتماعي والنخبوي على وجه الخصوص مع الدعوة الميدانية المناوئة للخمور مؤخرًا، سيلقى التجاوب العددي الكبير، فهو واهم؛ فمثل هذه القضايا تكون تفاعلاتها تحت السطح وليس فوقه، كما إنه ليس بالضرورة أن تظهر فوق السطح في أية مرحلة بالنمطية المتعارف عليها، وإنما قد تتلون وتتشكل سياسيًا، والكثير من البيئات التي ينتجها الأداء العام، قد أصبحت تتوافر فيها أساسيات هذا التشكيل، وبروز تيارات جديدة، وأخرى تخرج من صمتها التاريخي للعلن إلا مؤشرات على وجود إشكالية في هذا الأداء لعدم احتوائه المجتمع في قيمه وأحلامه وطموحاته.
لن أكشف سرًا إذا ما قلت إنَّ دافعية كتابة هذا المقال، تقف وراءها مقاربة الإدارة الحكومية للمرحلة الوطنية الراهنة، فهي لم تفرق بين جوهرين أساسيين في التحولات؛ أولهما: الثقل القيمي الثابت للمجتمع، وتأثير التحولات عليه، واستشراف ردة الفعل الاجتماعية عليها، وخطأ التقدير الظرفي، وكيف يُمكن إداراتها؟ وما تطرحه هذه الأسئلة نجدها واقعة الآن.
وثانيهما: الإطار الزمني للتحولات والمتغيرات، فهي تنهال على المجتمع في حزم متتالية ومن مختلف الجهات الوزارية دون تنسيق أو دراسات، فماذا نتوقع من ردة فعل اجتماعية؟ علماً بأن هناك دورة زمنية لبعض التحولات والمتغيرات، تتهيأ لها الأسباب قبل فرضها، وحتى هذه الديناميكية قد تحطمت ولم يعتد بها من قبل الأداء العام الذي يتخذ قرارات، وكأنه يقذف بالحجر في المحيطات.
وما سبق، يضعنا في رهاناتنا على اللجنة المذكورة، فأين دورها المهم جدا؟ إذ مرسوم إنشائها رقم (6/ 2021) يمنحها صلاحية المراجعات، وتقييم الأداء من وقت لآخر؛ أي أن المراجعة والتقييم مفتوحة الزمن، وهذا يجعلها في حالة انشغالات يومية، ومن يناير الماضي إلى أغسطس الجاري، فترة زمنية كافية للجنة المراجعة والتقييم لأداء الوزراء والوكلاء ومن في حكمهم. ومن حيث المبدأ، يفترض أن تكون فوق طاولة صانع القرار الآن المعلومات الصحيحة والدقيقة عن أداء العام، وبالذات في القضايا التالية التي فيها توجيهات سامية، أبرزها:
- نتائج إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وتطويره حتى الآن.
- التواصل مع الشباب للاستماع إلى آرائهم وآمالهم، والتقرب إلى المواطنين.
- تقييم تجربة إنشاء صندوق الأمان الوظيفي وإعداد نظامه وآليات عمله.
- إيجابيات وسلبيات التعامل مع الأوضاع المالية والاقتصادية.
- منح المحافظين الصلاحيات اللازمة؛ لتمكينهم من الاضطلاع بمسؤولية تنشيط الاستثمار والتجارة وغيرها من المسارات اللامركزية.
- عملية استكمال مسيرة الإصلاح الاقتصادي والاستدامة، وتنمية القطاع السياحي.
- انعكاسات المبادرات الخاصة بذوي الدخل المحدود وأُسر الضمان الاجتماعي.
- التقاعد المبكر؛ إيجابياته وسلبياته.
- قضية التراجع عن بعض القرارات والتوجهات الحكومية كلما تزداد الضغوطات الاجتماعية.
- مسيرة تطوير التعليم وتجويد مخرجاته وتفعيل دور البحث العلمي والابتكار.
ومن هذه القضايا يمكن للجنة أن تستخلص مدى نجاعة الأداء العام في تحقيق الغاية السياسية من وراء تلكم التوجيهات. فمثلًا، هل تم التواصل مع الشباب والاستماع لآرائهم وآمالهم؟ وهل تم التقرب من المواطنين حسب التوجيهات؟ وكذلك الاستخلاص مدى نجاعة الأداء تحقيق رؤية "عُمان 2040"؟
ولنا في خريف ظفار 2020 أنموذجًا، فلم نشهد التحول المتوقع في الأداء العام المركزي واللامركزي، ولم يمنحنا حتى مجرد الانطباع بأن التحول سيكون عقب الخريف، رغم أن فتح السياحة الخريفية 2021، لم يشكل مفاجأة للأداءين المركزي واللامركزي، وقد كان هناك وقتا كافيا لإثبات التحول بعد توقف السياحة الخريفية بسبب جائحة كورونا، وهذا لم يحدث، فلا النظام الإقليمي قد استنهض بعد تطوير نظام المحافظات، ولا وزارة التراث والسياحة حاولت تغيير النمطية والتقليدية عنها، ولا الأمانة العامة لمجلس الوزراء سعت لمواجهة الاستحقاقات الوطنية الجديدة، فتكررت حالات الاستياء في الخريفيات السابقة، بدءًا من طريق أدم- ثمريت، ووصولاً إلى ولاية صلالة، ومن أبسطها، كدورات المياه، وانقطاع المياه عن المنازل، وهي لا تحتاج سوى لجهد بسيط، فما الجديد الذي طرأ على السابق بين الأداءين بعد الإصلاحات الهيكلية والوزارية؟ نجده عكسيا؟! ولن ننفي بالمطلق، لكنه حتى في هذه الحالة الإيجابية، فإنَّ مساحة التشاؤم ربما أكبر من مساحة التفاؤل، وتتعاظم يوميًا.