علي بن مسعود المعشني
في عام 2013 زار الرئيس بشار الأسد، العاصمة الروسية موسكو، ومن جُملة الحديث بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين كان سؤال الرئيس الأسد للرئيس بوتين عن سبب عدم وقوف روسيا مع العقيد مُعمر القذافي عام 2011؟! فكان جواب الرئيس بوتين: أن مُعمَّر القذافي لم يكن حليفًا لروسيا ولا للاتحاد السوفييتي قبلها؛ بل كان صديقًا مُميزًا فقط.
ثم أردف بوتين بالقول: أعتبُ على معمَّر أنه أنفتح على الغرب بعد تسوية ملفاته العالقة معه كملف "لوكيربي" و"الممرضات البلغاريات" وتفكيك برامجه النووية والكيماوية بكامل رغبته، وفي المُقابل أغلق أبواب أفريقيا في وجوهنا نحن وأصدقائه الصينيين، وحين زرت ليبيا عام 2009 للمشاركة في احتفالات الذكرى الـ40 لـ"ثورة الفاتح"، عبرتُ للعقيد القذافي عن استيائنا من عدم استخدامه لنفوذه في أفريقيا للسماح لنا والصينيين بالولوج إلى هذه القارة الغنية بمواردها الطبيعية بفعل هيمنته الطاغية على قرارها السياسي الاستراتيجي، مع تفهمي التام لتوجه ليبيا نحو الغرب؛ لطموحها في تنفيذ استراتيجيتها التنموية "ليبيا الغد" بقيادة الدكتور سيف الإسلام معمر القذافي. يضيف بوتين: لم يرد القذافي على عتبي وملاحظتي وأكتفى بالتحليق بعينيه نحو سقف خيمته (وهذا تعبير يستخدمه القذافي حين لا يرغب بالرد أو لا يعجبه كلام محدثه).
في الستينيات من القرن المُنصرم شاعت حملة "أفريقيا للأفارقة" وقادها كل من الرؤساء: التنزاني جوليوس نيريري، والعاجي هوفوا بوانييه، والزائيري موبوتو سيسيسيكو، وكانت عبارة عن حملة تعبئة سياسية منظمة ظاهرها انتزاع أفريقيا من المحتلين وعودتها لأبنائها، وباطنها استهداف العنصر العربي في شمال أفريقيا وشرقها ونعتهم بالمحتلين والغزاة، وإن طالت إقامتهم في القارة واكتسابهم للأحقية التاريخية للبقاء فيها، لكنهم من أعراق ليست أفريقية من الأساس. لكن تمكن الزعيم خالد الذكر/ جمال عبدالناصر حينها بحضوره الطاغي في القارة السوداء وما يُسمى بـ"العالم الثالث" من إبطال تأثير ومفعول الدعوة الشوفينية للرؤساء الأفارقة الثلاثة وأصبحت دعوة عنصرية ومدانة من قبل أغلب أبناء القارة وقادتها. وكانت أحداث زنجبار عام 1964م أولى محاولات الكيان الصهيوني لتجفيف التواجد العربي في أفريقيا، وبدعم ومباركة من أم الكبائر إنجلترا؛ بدءًا من زنجبار؛ حيث الثقل السياسي ووجود الدولة العربية الوحيدة ذات الحكم والثقل العربي بزنجبار، الأمر الذي سيُسهل للمُخطط القضاء على الوجود العربي في بقية الأقطار الأفريقية بشرق ووسط وغرب أفريقيا مثل: تنزانيا وبوروندي ورواندا والكونغو وكينيا وموزمبيق وزائير والسنغال وسيراليون وليبيريا، على اعتبار أن وجود العرب هناك كجاليات يسهل التحريض عليها شعبيًا أو حصارها سياسيًا والتضييق عليها وتهجيرها عبر حكام وحكومات مخترقة وعميلة (وهو ماحدث بالفعل في العقود الأخيرة لاحقًا).
تدخل الزعيم جمال عبدالناصر في البدايات الأولى لأحداث زنجبار وبعث بوزير إعلامه حينها محمد فائق؛ حيث حمل رسائل تهديد واضحة للإنقلابيين بزعامة عبيد كارومي أبطل الحلقات الأخرى من المخطط، وأبقى ضرره في جغرافية زنجبار. جمال عبدالناصر- وعبر وسائل كثيرة- كان ينبه الحُكم العربي بزنجبار إلى السيناريو القادم والمخطط لهم قبل شهور من الأحداث ويحثهم على الاستعداد والجهوزية، ولكن لا حياة لمن تنادي!!
حين زار الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي الكيان الصهيوني مُؤخرًا، وسُئل عن توقيت الزيارة قال بالحرف الواحد: لقد كان مُعمر القذافي يُحذرنا ويُهدد الأفارقة جميعًا من أي تقارب أو علاقات أو تعاون مع الكيان الصهيوني وكنَّا نخشى تهديده.
الحديث اليوم عن طلب قبول الكيان الصهيوني كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي يمثل قمة نجاح الكيان وتشظي القيادات الأفريقية وغياب الزعامات المُؤثرة، وتُمثل هذه الخطوة كذلك تجلي دور الكيان الصهيوني كعميل نوعي للغرب في أفريقيا، وأن هذا الكيان عبارة عن غُدة سرطانية خبيثة تتمدد بفعل غياب مناعة الدول وتهتكها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وقبل كل ذلك ثقافيًا. فالكيان الصهيوني في الوجدان الأفريقي إبان زمن الزعامات، كان رمزًا من رموز العنصرية والاحتلال؛ بل والسطو على مقدرات الشعوب وحقوقها ورموزها السيادية، ولا توجد دولة أفريقية لم تعاني من هكذا ظروف عبر تاريخها السياسي القريب، وبالتالي تُعد قضية فلسطين بالنسبة لهم قضية ضمير إنساني لا تقبل المساومة، حتى وإن فرط فيها أبناؤها من العرب بالاستسلام للعدو وعقد اتفاقيات معه، يُضاف إلى تلك الأوصاف من قبل البلدان الأفريقية المسلمة أو التي يُشكل الإسلام غالبية بها، إنها قضية دينية مقدسة لا يجوز التفريط فيها.
قبل اللقاء.. التغلغل الصهيوني بأفريقيا اليوم هو في المقابل هروب من مستقبله المحتوم في الوطن العربي؛ حيث يتعاظم رفضه ومقاومته شعبيًا، وتوجهه نحو أفريقيا هو سيناريو حصار قادم مضاد ومُهدد للأمن القومي العربي.
وبالشكر تدوم النعم..