سالم بن نجيم البادي
لا شك أنَّ مجلس الشورى يحتاج إلى اعادة نظر في كل ما يتعلق به، بدءًا من طريقة الانتخاب وعدد الأعضاء والصلاحيات الممنوحة لهم وشروط العضوية فيه، فلماذا مثلاً لا يشترط أن يكون العضو حاصلاً على شهادة جامعية على الأقل، وأن يكون قد درس في الجامعة حضوريًا، أعرف عضوًا سابقاً لا يجيد الكتابة فيلجأ إلى أحد أقاربه ليكتب له، وإن كتب فكأنه أعجمي ولا تسأل عن اللام الشمسية، فقد غابت تمامًا من قاموسه، وأحد الأعضاء جاء ليقرأ كلمته في المجلس ولم يستطع أن يقرأ كلمة واحدة صحيحة، والآخر حتى القسم لم يستطع قراءته.
أما صلاحيات عضو مجلس الشورى فما زال يشوبها الغموض والضبابية خاصة لدى عامة النَّاس وحتى عند بعض المرشحين قبل الانتخابات، فقد جاء مُرشح إلى بيتنا وهو لم يدخل بيتنا من قبل، وقد أحضر معه أكياساً كبيرة من سح الفرض وورقة كبيرة عريضة هي برنامجه الانتخابي، وفيها ما يدعو للضحك لم يترك شيئاً إلا ذكره من تطوير الأرياف والسدود والآبار والطرق والإنترنت والتعليم والفقراء وأسر الضمان الاجتماعي والمرأة والطفل، وقد قلت لأحد أنصاره إنَّ هذه الأهداف مطاطة وواسعة، ولا يمكن قياسها ولا تحقيقها وتحتاج إلى "سوبر مان" وعصا سحرية، لكنه ردَّ عليَّ قائلا: "هذا المترشح ما شاء الله عليه واصل ويعرف مسؤولين كبار وهم يعرفونه، وإذا فاز بتكون أموره طيبة"، وللأسف هذا الاعتقاد سائد بين النَّاس، أنه إذا كنت تعرف المسؤولين فإنَّ "أمورك سالكة" وبعض الناس يذهبون إلى عضو مجلس الشورى لقضاء حوائجهم ويسلمونه الرسائل وهو لا يُخيب ظنهم؛ بل يوحي لهم أنَّه قادر على إنجاز ما يريدون، وقد يطلب منهم مرافقته لمُقابلة الوزير.
هنا يثور تساؤل مشروع لماذا يحتاج المواطن العادي لمُقابلة وزير أو عضو مجلس الشورى لإنجاز مصلحته، وإذا أراد أن يقابل وزيراً، لماذا لا يستطيع أن يلتقي به دون واسطة، ولا يكون ذلك إلا بمشقة ومواعيد طويلة وقد لا يستطيع أبدًا، بينما يستطيع عضو مجلس الشورى مُقابلة الوزير بسهولة ويُسر في الغالب، والغريب في الأمر ألا يستطيع بعض الناس مقابلة الوزير خوفًا من هيبة الوزير الذي زرع ثقافة الخوف من المسؤول وتقديسه والاعتقاد بأنَّه بشر من فصيلة نادرة؟
أهل قرية مثلًا يُريدون شارعًا مُعبدًا أو إنترنت أو تزويد قريتهم بخدمات المياه، فيذهبون إلى عضو مجلس الشورى فيضرب لهم موعدًا مع الوزير، وفي مشهد ما كنت أتمناه للمواطن الكريم والعزيز عضو مجلس الشورى بكامل زيه الرسمي الخنجر والعصا والدشداشة اللامعة والمصر الترمة الصوف غالية الثمن والنعال الجديدة، يمشي وخلفه مجموعة من المواطنين يمشون بملابسهم ونعالهم المتواضعة والقديمة يقصدون مقابلة الوزير.
ذات مرة وفي طريق عودتهم همس أحد المرافقين لعضو مجلس الشورى لرجل كبير في السن قائلاً له: "يوم تسيروا تقابلوا المسؤولين، لِبسُوا ملابس حلوة حتى يهتموا بكم"، هذه ثقافة المظاهر وهذا الرجل شعر بالحرج والإهانة، وأخبر أولاده فور وصوله إلى البيت!
أيضًا ذات مرة احتج أحد المواطنين على الإغلاق الطويل للمركز الصحي في قريتهم، فقالوا له اذهب وتحدث مع فلان عضو مجلس الشورى، وكأن فلاناً هذا لا يعلم بأمر الإغلاق، فذهب مواطن وزوجته التي تعاني من ألم شديد في الظهر إلى المستشفى في الولاية، ثم خاطب مستشفى الولاية المستشفى المرجعي في المحافظة لحجز موعد، وجاء الموعد بعد 5 أشهر، وعندما اعترض الزوج على الموعد قالوا له "ليش ما تتكلموا.. المفروض المواطن يتكلم.. خبروا عضو مجلس الشورى والشيوخ والوالي".
هل ينبغي على المواطن أن يشكو ويرجو المحافظ والوالي والشيخ وسعادة عضو مجلس الشورى والمكرم عضو مجلس الدولة والفاضل عضو المجلس البلدي والرشيد، حتى تُقضى حوائجه ومتطلبات حياته؟!
ويخشى أن يتبرم المواطن ويصاب باليأس من كثرة التعقيدات الإدارية والحواجز بينه وبين كبار المسؤولين حتى وإن كانت هذه الحواحز نفسية أو وهمية ترسخت في أذهان الناس بسبب تصرفات بعض أصحاب المناصب وإن لم يحدث تطوير وتجديد يمنح عضو مجلس الشورى الصلاحيات التي تجعل المواطن يشعر أن عضو مجلس الشورى يقف معه دائمًا في القضايا التي تشغل باله فإنه ومع مرور السنوات وعدم وجود الجديد والمختلف فيما يتعلق بمجلس الشورى فقد يمتنع الناس عن الذهاب إلى الانتخابات. وهذا ما لا نرجوه أو يذهبون على مضض أو من أجل أسباب أخرى لا علاقة لها بالديمقراطية ولا الكفاءة في العضو ولكن من أجل القبيلة أو العائلة أو المنطقة وربما المال الزهيد والهدايا للأشخاص المؤثرين في المجتمع وربما حتى من أجل وجبة الغداء.
وحول الوسم (هاشتاج) المتداول على موقع تويتر بخصوص "رئيس مجلس الشورى"، فإنَّ مطلب إقالة سعادته، قد يكون غير واقعي، وغير مُمكن، ومع ذلك فإنَّ الناس أحرار في قول رأيهم ما لم يصل هذا الرأي إلى الإساءة الشخصية، كما إن هذا الوسم يدل على غياب دور مجلس الشورى عن قضايا وهموم الناس، ولا يقتصر انتقاد عجز أعضاء المجلس عن القيام بدورهم على من شاركوا في ذلك الوسم؛ بل يشاركهم الرأي الكثير من المثقفين وقادة الرأي في المجتمع ومُعظم الناس، على أن عدم رضا أفراد المجتمع عن أداء أعضاء مجلس الشورى يستدعي وقفة جادة لتلافي العيوب التي أدت إلى غياب هذا الرضا، ولا يلتفت الناس للقول إن مجلس الشورى دوره تشريعي ورقابي، وأنه قد أقترح الكثير من القوانين وفعل كذا وكذا، وأنه محدود الصلاحيات، وأن لجان المجلس متعددة، فما هي ثمار اجتماعات هذه اللجان؟ بل إنَّ الناس يتساءلون عن جدوى استضافة الوزراء في المجلس، لكن الأهم من ذلك كله أنَّ الناس يريدون أن يساهم عضو المجلس في رفع المعاناة عنهم، وأن يكون صوتاً لمن لا صوت لهم، وألا يكون هذا العضو مجرد "تفق برزة".