عودة سوق صحار

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

أسعدني جدًا الحراك المُجتمعي والمُؤسسي لعودة سوق صحار الذي يُعد من أهم الأسواق على مستوى السلطنة تاريخيًا وأحد أسواق العرب القديمة، فهو لم يكن سوقا تجاريا واقتصاديا فحسب؛ بل سوقا ثقافيا واجتماعيا وأدبيا، فكان سوق صحار الأدبي يضاهي سوق عكاظ وسوق حباشة وغيرها من الأسواق الأدبية المعروفة تاريخياً، كما كان سوقها التجاري المحاذي لمينائها التاريخي حلقة الوصل بين الأسواق الخليجية وموانئ الهند والصين.

ولن يكون حديثي عن المكانة التاريخية لهذا السوق على مستوى السلطنة والمستوى العالمي فهذه المكانة معروفة لدى الكثيرين وموجودة على الإنترنت لمن أراد المعرفة؛ بل سيكون حديثي عن تلك الروح الجميلة التي تضافرت بين المكونين المجتمعي والمؤسسي لعودة سوق صحار لموقعه المرموق، وذلك بشراكة واقعية وصادقة بين أفراد المجتمع وبلدية صحار؛ حيث قام كل طرف بجهود مشكورة لعودة السوق للواجهة من جديد، وفي نظري سوف تسفر هذه الجهود عن النجاح الذي رسم له لأنها منطلقة من إرادة صادقة وبروح الشباب المتقدة.

وحتى تتضح الصورة نعود قليلاً للوراء وللحريق الكبير الذي تعرض له السوق عندما كان عبارة عن محلات مبنية بالطوب والسعف والقرار الإداري الذي صدر بعد تولي مكتب تطوير صحار (سابقًا) بلدية صحار (حاليًا) أمور التطوير بالولاية في منتصف الثمانينات من القرن المنصرم، وكان القرار الإداري حينها، إزالة هذه المحلات التي كانت توجد بمنطقة الحجرة، وتم إعداد مخطط جديد لتطوير المنطقة، ومضت الأمور على ما خطط لها، ثم جاءت الفكرة بتصميم سوق جديد يحمل الفكرة القديمة للسوق، ولكن بطراز معماري حديث يجمع بين الماضي والحاضر وتم البناء بشكل أبهر الكثيرين، إلا أنَّ تشغيله صادف عقبات عديدة لا داعي الآن لذكرها؛ بل علينا استغلال الهمة الجديدة التي سوف تنجح بحول الله لعودة عمل هذا السوق بشكل صحيح.

وعندما أعوِّل على نجاح هذا العمل في هذه الفترة، انطلق من منطلق التسهيلات العديدة التي طرحتها بلدية صحار وعلى موقع السوق المتميز على الطريق البحري (الكورنيش) وقد أسفرت هذه التسهيلات عن إقبال كبير وتهافت التجار والأفراد رغبة في استئجار محلات السوق، وهذا الإقبال جاء طبعاً بعد تكاتف وتعاون العديد من أبناء المجتمع في صحار للترويج والتسويق للسوق في شبكات التواصل الاجتماعي وعلى المستوى الفردي والمجتمعي وتوضيح النقاط التي قدمتها البلدية للجميع حتى وصل التسويق أو كله من خلال تقدم تجار من محافظة الداخلية ومحافظة مسقط ومحافظة الظاهرة والبريمي ورغبتهم في الاستئجار بالسوق لما يملكه من إمكانيات كبيرة للنجاح.

وحسب ما خُطط له من قبل البلدية والمخلصين من أفراد المجتمع في صحار، فإنَّ الأمر لن يقتصر على تأجير المحلات؛ بل على جعل السوق وجهة سياحية وتجارية واقتصادية وثقافية وأدبية، فالسوق يوجد به ساحات خصصت أصلاً لإقامة المعارض والأنشطة الثقافية والأدبية، وتلاقي هذه الجهود متابعة وتشجيعاً من قبل سعادة الشيخ المحافظ الذي زار السوق وسارع بالتوجيه لتفعيله وتشغيله في أقرب فرصة ممكنة.

وعلى ضوء هذه المتابعة الحثيثة من كل قبل الجميع ننتظر خلال الأيام المقبلة بحول الله أخبارا سارة تخص السوق وعودة الحياة به، مع التأكيد بأنَّ الحراك المجتمعي والمؤسسي لابد أن يستمر ولا يتوقف عند تشغيل السوق، فاليد الواحدة لا تصفق والتعاون والتكاتف الصادق مطلب حقيقي لنجاح أي عمل.

وإذ نشكر الجهد المؤسسي المتمثل في مكتب محافظ شمال الباطنة وبلدية صحار والجهد الشبابي المخلص من أبناء صحار الأوفياء، فإننا ندعو كل المؤسسات في الدولة لإشراك المجتمع والتشاور معه في مشاريعها وأعمالها، تحقيقًا للصالح العام.. ودمتم ودامت عمان بخير.