التربية البيتية تحتضر

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

دخلت التربية المنزلية غرفة العناية المركزية بعد أن تصدّر فيروس كورونا المشهد اليومي؛ فأصبحت التربية عبئاً يومياً ثقيلا على أولياء الأمور، خاصة وأنه لا يوجد في الأفق بارقة أمل لخروجها من العناية المركزة إلى أحد الأجنحة المعروفة والتي ما أنْ يدخل إليها المريض حتى يتنفس ذووه الصعداء فرحاً واستبشارا بتماثله للشفاء؛ ولأنها- أعني التربية المنزلية- ترزح تحت وطأة التخدير الكلي، مع ضخها بالأكسجين الصناعي، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.

المشهد اليومي في المنازل لا يُطاق بعد أن دخلت التربية المنزلية دار الرعاية المركزة؛ فالجميع يصرخ سراً وجهراً، ليلا ونهارا، يستغيث من النكبة والكارثة التي سقطت على كل بيت وحلّت بقاطنيه؛ فقد لفظت التربية الوالدية أنفاسها في بعض البيوت، وفي بعضها الآخر تحتضر؛ فأصبح الأبناء والبنات في البيت كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية؛ فهل ترى لهم من باقية؟! فالواحدُ منهم إنْ ناديته يفجعك بردة فعله، وكأنك قد صوبت عليه طلقة رصاص عندما ناديته! وهم في كل الأحوال فاقدون للتركيز؛ فإن أخبرت أحدهم بشيء ما ليحضره إليك، يُعيد عليك مرارا وتكرارا ماذا.. ماذا؟

هذا كبيرهم الذي علمهم السحر، أما صغيرهم فسيذهب ويقطع مسافة ليست بقصيرة، ثم يعود إليك يخبرك بإعادة وتسمية ما طلبته منه ليحضره!

وعلى الرغم من كل ذلك فثمّة جهود مبذولة سرًا وعلانية، ليلا ونهارا لإعادة الحياة من جديد في المنازل-ومن لم يشكر الناس لم يعرف شكر الله- وبارقة أمل تلوح في سماء التربية المدرسية، بعد الإعلان عن تطعيم طلبة المدارس من سن (12 -18) في محافظة مسقط؛ لإخراج المنازل من مأزقها ومستنقعها الذي تكاثرت فيه أكثر من بعوضة إلكترونية فما فوقها، من "واي فاي" وإخوانها وأخواتها وأحفادها إلى آخره وآخرها.

الحلّ السحري -من وجهة نظري- والذي بنفثة واحدة منه تبطل سحر هذه الأجهزة الإلكترونية؛ إنّه (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)؛ فجِلْسة قرآنية يومية يتصدر مجلسها أقرؤهم لكتاب الله ستأتي ثمارها يانعة غضة طرية {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}.

 أما الاستراتيجية الثانية لإعادة الحياة الطبيعية للمنازل، وهيبتها المفقودة في طُرقاتها، وأزقتها من المطبخ مصنع الوقود العالي للأجسام، وحتى مجلس استقبال أبطال المعارك، فإنِّه يكمن في تنظيم استعمال الأجهزة الإلكترونية في وقت ومكان مُتفقٍ عليه مسبقًا {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا سُوًى}؛ فنكون بذلك عملنا بقاعدة أخف الضررين، بمعنى دفع أعظم الضررين بارتكاب أخفهما.