د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري
طالبان ميليشيات دينية مسلحة متمردة على حكومتها الشرعية تسعى لتكوين دولة دينية تطبق الشريعة، وفِي سبيل ذلك تقوم بعمليات تفجيرية وانتحارية تستهدف قوات الحكومة وغيرها من المدنيين، تحت مسمى "الجهاد".
طالبان إحدى نتاج المدارس الدينية المنتشرة في باكستان ذات التعليم الماضوي ذي المحتوى التعصبي الإقصائي للمرأة وللآخر الديني والمذهبي، مخلفات فكر الأسلاف الذي يرى العالم دارين: دار حرب ودار إسلام .لهذا تعادي طالبان دولتها لأنها علمانية تنفذ إملاءات الكفار (الغرب وامريكا).
قبل ربع قرن نجحت طالبان في الاستيلاء على السلطة وطرد الحكومة الشرعية وتنفيذ مشروعها الديني الانغلاقي وفرضه على الأفغان، لم يكن يخطر ببال أحد في حينها، ان حكم طالبان لن يستمر طويلاً، لأن كل الظروف في صفها، هناك الداعم الرئيسي باكستان، واعتراف ومساندة دولتين خليجيتين، وتأييد واسع من قبل رموز وزعماء وحركات إسلامية ممتدة على الساحة، رأت في دولة طالبان حلمها التاريخي في الدولة الدينية الصحيحة .
لكن خطيئة طالبان الكبرى أن وثقت بضيوفها العرب الذين وفدوا للجهاد معها ضد خصومها، ففتحت بلادها لهم يتخذونها معسكرات للتدريب والتجنيد، تحتضن المجاهدين من كل أنحاء العالم الإسلامي لتنفيذ مشروعهم العالمي ( محاربة اليهود والصليبيين وعدوهم الأكبرأمريكا الذي يحمي الأنظمة العربية ) فكانت كارثة 11 سبتمبر التي ضربت أمريكا في عقر دارها، فكان ما كان من انطلاق المارد الأمريكي لضرب دولة طالبان وضيوفها وتدميرها وعودة الحكومة الشرعية في ظل الحماية الأمريكية.
صحيح أن دولة طالبان ولت، وشرد ضيوفها، وتمت تصفية زعيمها، لكن الأفكار لا تموت، ولا يمكن القضاء عليها بقوة السلاح، يمكن تهميشها وتنحيتها عن قيادة المجتمع وشل فاعليتها عبر مواجهتها بأفكار مضادة تفككها وتبين ضلالتها.
ظن الأمريكيون أنهم قضوا على طالبان، وأمنوا الأفغان وحكومتهم، هذا صحيح لكن الفكر طالباني بقي ووجد مناخاً مواتياً وبيئة حاضنة فانتشر وكسب أنصاراً، وعادت طالبان أقوى مما كانت ونجحت في الاستيلاء على مناطق كثيرة، وبدأت تهدد الحكومة الشرعية وتبث الرعب في نفوس خصومها.
بعد 20 عاماً من الوجود الأمريكي في أفغانستان قررت أمريكا الانسحاب : إلى متى يضحي الشباب الأمريكي بأرواحهم من أجل الآخرين ؟ أمريكا لا تستطيع مساعدة من لا يساعدون أنفسهم.
الإدارة الأمركية "الديمقراطية" الحالية أميلُ إلى تبني الموقف الأوروبي في قضايا العالم الثالث (دع شوكهم في ظهرهم، ينزعونه بأنفسهم، لا تضحي بأولادك من أجلهم).
من هنا غيرت أمريكا سياسة المواجهة بالقوة إلى سياسة والمصالحة وكانت الدوحة وسيطاً نشطا عبر تهيئة الظروف الملائمة للتفاوض.
التساؤلات المطروحة: هل سياسة المصالحة مع طالبان مثمرة؟ وهل تلتزم طالبان بتعهداتها في نبذ العنف؟ هل تقبل تسوية سياسية تضمن الاستقرار والأمن للأفغان؟
في تصوري أن كل ذلك بلا جدوى للأسباب التالية:
- إن سياسة استرضاء طالبان عبر تقديم تنازلات نوع من الاستسلام، يعزز سيطرتها ونفوذها.
- أثبتت كافة التجارب السابقة أن استرضاء الجماعات المتشددة سياسة عقيمة وخطرة يدفع أكلافها الباهظة المجتمع: أمنه واستقراره وتقدمه، وليس لها إلا نتيجة واحدة، زيادة تصلب تلك الجماعات ووحشيتها.
الآن: ما ضحايا الاتفاق مع طالبان؟ أولًا: الشريعة الإسلامية أولى ضحايا التطبيق المشوه للإسلام.
ثانيًا: التعليم ضحية ثانية لسيطرة طالبان على المناهج.
ثالثًا: المرأة الضحية الرئيسية للفكر الطالباني .
رابعًا: الاقتصاد ضحية أخرى لان طالبان تحرم السياحة و خطط التنمية الغربية .
خامسًا: التهجير، آلاف الأفغان سيهجرون أفغانستان خوفاً من طالبان وعلى حلفاء أمريكا منحهم الملاذ الآمن.
سادسًا: الحريات: لا معنى للحديث عن الحريات وحقوق الإنسان في ظل طالبان.
سابعًا: المجتمع الأفغاني بأسره يصبح أسير النمط الآحادي في الثقافة والمعيشة.
ويبقى في النهاية القول إن المراهنة على سياسة استرضاء المتشددين العقائديين عبر اتفاقيات إو مصالحات بالمساومة أو التنازل عن الحقوق والحريات سياسة ثبت عقمها وفشلها.
كاتب قطري