العلاقات العُمانية السعودية.. مرحلة جديدة من التعاون

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

يتوقع المراقبون أن تشهد العلاقات العُمانية السعودية مزيدًا من التنسيق بين البلدين في عدد من الملفات السياسية والاقتصادية في إطار الزيارة التي يقوم بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة، يُرافقه وفد رسمي رفيع المستوى، كما يتوقعون أن تشهد العلاقات زخمًا في التعاون السياسي والاقتصادي خلال الفترة المقبلة مع واقع هذه الزيارة التي تُعد الأولى لجلالة السُّلطان إلى خارج السلطنة منذ توليه مقاليد الحكم في يناير 2020.   

وخلال الفترة الماضية، أكد عدد من المسؤولين العُمانيين والسعودين أهمية هذه العلاقات في ضوء التطورات التي شهدتها الاتصالات بين البلدين على مستويات مختلفة، بدءًا بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود إلى مسقط لتقديم واجب العزاء في وفاة السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وما تلى ذلك من زيارات رسمية للمسؤولين في وزارتي الخارجية في كل من مسقط والرياض. كما إن المبادرات بين البلدين لتعزيز العلاقات الاقتصادية تبدو في قمتها من خلال المشاريع الاقتصادية التي تتبناها السعودية لإقامتها في السلطنة خلال الفترة المقبلة، بجانب سعي البلدين إلى توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية في المجالات التجارية والصناعية واللوجستية خلال الفترة المُقبلة.

زيارة جلالة السُّلطان المعظم ستُعزز تلك التوجهات والعلاقات الثنائية بين البلدين مع التركيز على الآفاق الاقتصادية والفرص الاستثمارية التي يمكن أن يستفيد منها البلدان، وكذلك المنطقة الخليجية خلال الفترة المقبلة. ومن المتوقع أن يتم خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية بين البلدين، بجانب مناقشة الملفات الإقليمية ومنها الأزمة في اليمن الشقيق، وتسويتها بعد مرور أكثر من 6 سنوات على نشوب الصراع هناك؛ حيث تقوم مسقط بدور الوساطة لحل الخلاف بين مختلف الأطراف.

مؤخرا تناولت وكالة الأنباء السعودية نقلاً عن مجلس الوزراء السعودي مشروعات الاتفاقيات التي سيتم توقيعها بين المملكة والسلطنة في مجالات الشباب والرياضة والثقافة، والمجالات التجارية ومجال الإعلام المرئي والمسموع، والمجال الإذاعي والتلفزيوني، ومجال تشجيع الاستثمار وفي مجال الاتصالات وتقنية المعلومات والبريد ومجال النقل، الأمر الذي يؤكد رغبة مشتركة لتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في تلك المجالات. ويؤكد البلدان أهمية تطوير الاستراتيجية طويلة المدى لمساعدة البلدين في تحقيق مزيدٍ من النجاحات في هذه القطاعات، وتحويلها لأقطاب اقتصادية في وجود العناصر والإمكانات والكوادر البشرية المتاحة في البلدين، مع تمكين المملكة للوصول إلى بحر العرب والمحيط الهندي عبر تأسيس المشروعات الصناعية والتجارية في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، خاصة وأن الطرفين على موعد لافتتاح أول طريق بري يربط بين السلطنة والسعودية مباشرة خلال الأشهر المقبلة.

والطرفان يؤكدان اليوم أهمية مدينة الدقم الاقتصادية بموقعها الاستراتيجي الذي نجح في جذب الكثير من الاستثمارات المحلية والعربية والأجنبية خلال العقد الماضي؛ حيث أصبحت من أبرز المناطق الصناعية والخدمية في المنطقة؛ بل في العالم، فيما يعمل الطريق البري الجديد بين البلدين في قطع المسافة بنحو 800 كيلومتر، الأمر الذي يُساعد على تقليل وقت السفر بشكل كبير وتمكين المؤسسات التجارية والصناعية بتعزيز الواردات والصادرات، وإعادة التصدير عبر الطريق البري.

وقد سبق لصاحب السُّمو السيد فيصل بن تركي آل سعيد سفير السلطنة لدى السعودية التحدث حول اتفاقيات التعاون الثنائي التي سيتم توقيعها بين البلدين، مؤكدًا دور القطاع الخاص للاستفادة منها ومن الفرص الاستثمارية المتاحة في تلك المجالات، مع التأكيد على أن العلاقات العُمانية السعودية هي علاقات أخوية راسخة يُميّزها العديد من الروابط المشتركة والاحترام المتبادل. فالبلدان لهما رؤى اقتصادية طويلة المدى؛ حيث أعلنت عُمان عن "رؤية 2040" فيما تنصب رؤية السعودية "المملكة 2030" مع تأكيد البلدان على أهمية التكامل الاقتصادي في المنطقة.

تعزيز الاستثمارات بين البلدين متاح اليوم بشكل أكبر في ظل القوانين والتعديلات والتحسينات التي أجريت على القوانين في البلدين خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يساعد على تأسيس المشروعات، وتحرك أصحاب رؤوس الأموال بحرية أكبر في الاستفادة من قائمة المشاريع التي أعلنتها السلطنة من جهة والسعودية من جهة أخرى. كما يبدي الطرفان أهمية كبيرة تجاه مبادرات تتعلق بمُعالجة التحديات البيئية من خلال تكثيف برامج التشجير والطاقة النظيفة، واستخدام الوسائل الحديثة والمبتكرة في إقامة المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة. من جانب آخر فإن حكومتي البلدين أكدتا على أهمية المصالحات الخليجية والعربية، الأمر الذي سيؤدي إلى تعزيز المصالح العربية وتمتين العلاقات مع جميع الدول من أجل إيجاد السلام والأمن في المنطقة وخارجها.

أما على صعيد الدولتين، فإن الزيارة ستؤدي إلى تعزيز العلاقات الثنائية الأخوية المتينة والوطيدة القائمة بين البلدين، بجانب تعزيز سُبل دعمها في مختلف المجالات المتاحة. وباعتبار  السلطنة أحد الأعضاء الرئيسين في منظومة دول مجلس التعاون الخليجي فأنها دائما تعتبر نفسها وسيطاً للجميع؛ لتعزيز فرص المصالحة في المنطقة، وتقريب وجهات النظر بين الدول من خلال تعزيز الحوار السياسي بهدف تجنيب المنطقة لأي تصعيد عسكري، وإيجاد الحلول السلمية التي تأتي بالتنسيق والحوار السياسي المباشر عبر المناقشات بين الأطراف من خلال الاجتماعات الدورية سواء أكان ذلك يتعلق بالشقيقات قطر أو اليمن أو إيران أو سوريا. فقد أصبحت السلطنة اليوم جامعة علمية وسياسية في تقديم عدد من الحلول للقضايا الإقليمية والدولية، فيما بدأت الجامعات العربية والأجنبية في تناول هذه الجهود والسياسة الخارجية العُمانية لدراساتها في مجال العلاقات الدولية، الأمر الذي يعطي فرصة أكبر لتحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم.

الأكثر قراءة