الباحثون عن الأمل.. الماسكون على الجمر

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

أي أمة تُسيء التعامل مع ثرواتها، ولا تحافظ عليها، ويكون جُلّ اهتمامها منصبّا على جانب دون آخر؛ فإنّ فعلها ذلك مؤذنٌ بهلاكها وبوارها، وفقدان عزها ومجدها، وتصبح منافسة شرسة على مقعدها في ذيل الأمم وعالة عليهم، تستجدي عطفهم الجبّار؛ لترتدي معطفهم المرقّع حماية لها في زعمها من ويلات الصَغَار، وتكتفي بما يتساقط عليها من فُتات ما يرمونه في سِلال المذلة والمهانة والمساومة والاحتقار.

ولا ثروة أيًا كان نفعُها وخطرُها يضاهي ثروة الأمة في شبابها، فإنَّ الأمة "إذا" جانبت الصواب في اهتماماتها، وهذا هو شرط (إذا)، يكون جوابها: فإن في فعلها ذلك موتها العاجل.

وماذا ترتجي أمةٌ من شباب أماتت عندهم الأمل وانطفأ عندهم بريق وحب العمل، وأصبحوا عالة يتسوّلون جيوب آبائهم في الصباح، وتندسّ أصابعهم في حقيبة أمهاتهم في المساء؟! إنّ هذا لشيءٌ عُجاب!

إنّ جِلْدَ ظهر الوطن لن يستطيع حكّه وإزالة قشعريرته بالطريقة الصحيحة المثالية سوى أظفار، ومخالب أبنائه، حتى وإن سالت الدماء؛ لأنّ في جريانها الدواء، وفي إراقتها الحياة؛ فلا يحك جلد ظهرك إلا ظفرك، ووطن الفرد وفرد الوطن أولى به من غيره، وأحق بخيراته، وأجدر بإصلاحه، وأصدق في مشاعره تجاه شَعَائره، في المجال الذي يُحْسنه، والثغر الذي يستطيع ملئه.

إنّ زهرة عمر الشباب إذا ذَبُلت، وأصبحت بلا لون ولا طعم ولا رائحة، وانحنت ثم انحدرت ظهورهم تدريجياً إلى سفاسف الأمور؛ فأصبح القريب بعيدا، والممكن مستحيلا والمعقول غير مأمول، والأمل كالجمل يخوض الأرض سارحًا شاردًا بلا قيد، ثم يعود في قيده، وأمسى العمل كالجبل في ثقله عليهم بعد طول انتظار! فمتى ستستفيد الأمة من طاقات شبابها التي تفيض حيوية ونشاطا إذا هي أهدرتها وأماتتها بعدم توفير العمل الذي يزيدها حيوية، ويلهبها شوقاً في بناء المستقبل، ويلهمها نصرا على خذلان النفس، وهم أملها وسندها، وعدّتها في الشدائد؟!

إنّ حضور مصطلحات في المشهد الوطني بقوة، كمصطلح المواطنة، وحب الانتماء، والتربية الوطنية، لمّا تكن خُلقت بعدُ عند الآباء والأجداد؛ لأنّ حب الأوطان عندهم من الإيمان، فحب الوطن فطرة، وعكسه شذوذ؛ فلم ولن يحتاجوا إلى دروس في الوطنية، بل كانوا بأخلاقهم وأفعالهم وسيرتهم الحسنة، وسريرتهم النقية درسا وطنيا بامتياز، وما كان لهم أن يربطوا وطنيتهم بِشَبَعِهم فإن جاعوا أكلوا تلك الكلمة التي تسمى الوطن، بل وحتى في زماننا نُراهن بشبابنا بأنّ حب الأوطان يجري في عروقهم، ويوجه طريقهم لما فيه الخير والنفع لأوطانهم، ولسان حالهم يقول: وطنك وإن كسر ظهرك..

إنّ ثمة عوامل جعلت تلك الفطرة المتدفقة في حُب الأوطان التي فُطِر الناس عليها قطرة ضئيلة عند بعض الشباب، على الرغم من أنهم رضعوا لبان الوطنية طازجا، فكان لزاما على المعنيين البحث في تلك العوامل والأسباب التي فرّقت أو كادت أن تفرق بين الأم(الوطن) وأبنائها البررة، وأوشكت أن توجد شرخا عميقا؛ ونادى بعضهم بالهجرة هي الحل؛ فلا يسوغ منهم العقوق، ولا يُقبل منهم إلا البر؛ لأن الوطن يُحب أبناؤه جميعًا بلا استثناء.

هذا، وإنّ نتائج إهمال فُتُوّة الشباب الثائرة وإهدارها كأودية عُمان الجارفة بإغراقها في البحر وإرغامها على الاستسلام، وتغيير خواصها من عذبة إلى مالحة، وإضاعة ثورتها أمام الدكاكين، والتسكع في الطرقات والنوادي الليلية، ثم تخديرها وإماتتها وعدم إيقاظها، لا ريب ستكون النتائج كارثية، وتحذيرات رجال الأمن المتكررة من عدم ترك السيارات في وضع التشغيل أو مفتوحة، ليست عنّا ببعيد؛ فهي نتيجة واحدة من مئات النتائج التي سيفرزها تعطيل الطاقات المتوهجة المكتنزة بها أجسام الشباب،وسيصبحون معاول هدم وتخريب.

فلا تضيعوا شعاع الأمل، واطفئوا سعير الجمر.