متى وكيف نعمل من أجل عُمان؟!

حمد بن سالم العلوي

لقد ظللنا سنوات وسنوات وعيوننا تشخص نحو عُمان الجميلة، ننشد الجدية والإخلاص في العمل، وأن يكون هدف الجميع علو شأن عُمان، وليس علو شأن الأشخاص، ولكن يظل الأمر غير المفهوم، أن تكون رغبة وحرص سلطان البلاد في السابق والحاضر، الاتفاق على رؤية واحدة، ألا وهي علو شأن عُمان.

لكننا نرى المسؤولين روآهم وأعمالهم شتات، ولا تسير في نفس الاتجاه، لذلك أضعنا الكثير من الوقت في مسارات هامشية، إلا مسألة "عدلي بعدلك" أي اقتسام المصالح، ولأنَّ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- كان مدركاً للأمور كيف تجري، وإنه لا يريد أن يفتح باباً للمماطلة أو التسويف في تنفيذ الأهداف المرسومة، ولأنه يُعطي الأهمية القصوى للرقي بعُمان، لذلك قرر أن يرأس بنفسه اللجنة الوطنية الموكل إليها تشغيل الإنسان العُماني، حتى لا يُقال بعد فترة عذرًا لم نفهم التوجيهات السامية، فربما نقلت إلينا بصيغة أخرى.. الآن الأمر لا يحتمل التأويل، وإنما توجيه مباشر وصريح "عُمان أولاً" ولا شيء يشغل عن العمل بإخلاص وتفانٍ، وذلك من أجل الرقي بعُمان الخير إلى مراتب العزة والكرامة.

وهنا.. لا مجال لغير الإبداع والإنتاج، وأن يكون المواطن محور التنمية وركيزتها الأولى حقاً وعملاً، وليس شعاراً يُرفع وحسب، ذلك الذي تعودنا عليه منهم خلال العقود الماضية، حيث كان هَمُّ الأغلبية الكبرى من المسؤولين، التأسيس لحياة سعيدة له بنفسه والمهمين له من المحيطين به، وهي فرصة أتته فاغتنامها فكيف للفرص أن تفوت، وجرت الأمور على هذا النحو أعوامًا عديدة، وكل مرة نقول في أنفسنا؛ إنَّ القوم تعلموا مما جرى على عُمان من الحوادث، وإنهم لن يلدغوا من ذات المرصد مرتين، ولكن نكتشف أن لديهم الاستعداد أن يُلدغوا ألف مرة من نفس المكان، ولن يحيدوا قيد أنملة عن التكرار الممل، فحالهم من حال الخب والمنجور، فكل من جرَّ الحبل، فإن على المنجور أن يدور بماء أو غير ماء، إذن هكذا يظل ضجيج الحركة في المؤسسات الحكومية دائراً، وكمُا يقال: "نسمع قعقعة ولا نرى طحيناً"، فكلما زاد سعر البترول أنفقنا أكثر، ولم يخطر بالبال أنه سيهبط هذا السعر أبدًا، رغم أن هناك سابقة قريبة منِّا، قد حدث في عام 1986، وقد لا نلوم من لم يكن مولوداً وقتذاك، ولكن حتى عام 2019 كان يدير الدولة جيل ما قبل عام السبعين.

نحن لا نحتاج إلى الكثير من العقد من تلك التي شب عليها النظام الإداري في عُمان، بل الذي نحتاجه الجرأة والإقدام في اتخاذ القرارات التي تخدم عُمان وشعبها، وتعود علينا بالفائدة اقتصاديا وتجارياً، ثم يحق لي كمواطن أن أطرح سؤالاً جدلياً على اللجنة الوطنية للتشغيل، بالقول؛ هل عملنا إحصاءً لعدد المواطنين الذين لديهم رغبة للعمل في التجارة؟ وهل عرفنا الأشخاص الذين يرغبون في صيد البحر؟ وهل هناك استبيان يوضح عدد الأشخاص الذين لديهم الرغبة في تجارة مواد البناء؟ وهل لدينا قاعدة معلومات عن الأشخاص الفنيين في النجارة والحدادة وأعمال السباكة والميكانيكا المختلفة؟ وهل لدينا معلومة عن عدد كهربائيي السيارات والمنازل وتصليح المكيفات؟ وهل لدينا معلومة عن النَّاس الذين يرغبون في أعمال الزراعة والإنتاج الزراعي؟ فإذا توفرت هذه المعلومات على سبيل المثال؛ سنقوم بعمل خطط لتشغيل هذه المهن، والإشراف على قيامها واستمرارها ودعمها بالمال والخبرات، وعندما تقوم على سوقها، ويشتد عودها، فعندئذ نكون قد أوجدنا نواة جيدة للعمل الاقتصادي العُماني.

لكن أتساءل هنا: لماذا يهمّش المتقاعدون عن العمل؟ وهم ثروة وطنية جاهزة، ففي الدول المتقدمة يرصدون الوقت الذي يتقاعد فيه أصحاب هذه الخبرات، للاستفادة من جاهزيتهم ومن نضجهم الوجداني والعاطفي والاستقرار الاجتماعي، وكل شركة تحجز نصيبها بما تقدمه من إغراء وحوافز، لكن عندنا في عُمان ومعظم الدول العربية، سقط المواطن بين عقدتين قاسيتين، عقدة صناديق التقاعد التي تطبق عدالة "قراقوش" وعقد وزارة العمل التي تنظر إلى المتقاعد على أنه نقمة نزلت على نظام التشغيل الفاشل أصلاً، وذلك بسبب إدارته بعقول مغلقة، لا يمكنها أن تبتكر جديداً، وقد غلفت فهمها للمتقاعدين بعقدة الحسد وقصر النظر، فقد قال لي صديق؛ إنه سمع من موظف كبير شديد تحامله على المتقاعدين، فيقول: تصور أن هذا المسؤول كان يقول: أتريدني أن أخفف الرسوم على المُتقاعد، ومعاشه الشيء الفلاني، وضرب مثالا بمتقاعد يأخذ معاشاً كبيراً، ونسي أو تناسى أن المتقاعدين لهم معاشات متفاوتة، حتى وإن كانوا في درجة واحدة، وهناك متقاعدون معاشاتهم في حدود مائتي ريال.

وقال هذا الصديق: عندي مطعم صغير، ورحت أجدد إقامة عاملين، ويقول دفَّعوني عن كل واحد 316 ريالا، رغم هذا العسر الذين نعيشه في زمن كورونا، فقلت للإخوة في مركز سند إن لديَّ بطاقة "ريادة" وهناك تخفيضات من وزارة العمل، فرد عليّ صاحب المكتب قائلاً: أنت لا ينطبق عليك لأنك مُتقاعد، فقلت له شكرًا لأنك نبهتني حتى لا أظل أخسر مبالغ في التجديد.

فقلت له فعلاً هذه آفة الحسد تغير نفوس الناس، وكأن بهذا المسؤول يظن أن المعاش التقاعدي صدقة، وليس نظير عمل في الأيام الخالية، فكان للجندي مثلاً شرف كبير لو استشهد في الجبهة، ولا يعيش إلى اليوم تحت مذلة صناديق التقاعد، ووزارة العمل التي أخذت تبث عنصريتها بين المواطن المتقاعد، والمواطن غير العامل في الدولة أصلاً، وقد يكون دخله أقل بأضعاف مضاعفة وذلك الذي يدفع للتأمينات، وهي ليست عطاءً غير مردود، وإنما لكي تدر عليه معاشاً سائغاً، عندما لا يريد العمل الخاص، ولكن تناسوا أن المتقاعد دفع روحه ودمه رخيصةً فداءً لعُمان، وحتى ينعم هو وغيره بالأمن والاستقرار.

إن هذا التصرف وإن كان من صناديق التقاعد التي عندها أصناف غير عادلة من معاشات التقاعد، وإن تلك العنصرية التي تتعامل بها وزارة العمل مع المتقاعدين، فالمتقاعدون من كثر ما قوبلوا به من التهميش الذي يصيبهم من دولتهم والمجتمع على حدٍ سواء، صار يستكثر الخدمة التي ثمنها دمه وعرقه، ولا يلاقي اليوم الشكر والثناء المحق على ما قدم في أصعب الظروف، لكي ينعم الوطن بالأمن والاستقرار، ولا يطالبون بأن يميزوا كما يفعل العالم المتحضر (ولا قدوة ترجى في العرب) فالعالم المتحضر يعطي المتقاعد بطاقة تتيح له الكثير من الميزات والخصومات، ويطلق عليه تسميات مشرفة مثل: (المواطنين الأوائل أو المحاربين القدامى) أما العرب فيطلقون عليهم اسماً منفراً: (مت.. قاعد) إذن؛ سنحتاج إلى جمعية للرفق بالمتقاعدين قبل أن ينظر إلى المتقاعد وكأنه والخائن سواء، ولا أبالغ في هذا القول؛ لأن البعض أخذ يكرس هذا المعنى في حق المتقاعدين، فذات مرة أراد أحد الأشخاص أن يعرف بنفسه فقال للسائل: أنا فلان الفلاني.. فرد عليه ولكنك متقاعد!!