علي بن سالم كفيتان
يتبادر إلى ذهني- كما الكثيرين في وطني- تساؤل عن أُفول نجم مجلس الشورى وهيئة حماية المستهلك.. ففي الحقيقة ظل مجلس الشورى هو نجم الساحة الداخلية، فرغم تواضع الأداء طوال الأعوام الماضية والدورات المُتلاحقة، إلا أنه ظل يُمثل متنفسًا؛ فالنقاشات والمداولات مع أصحاب المعالي كانت علنية ومُباشرة، وكان الأعضاء يمتلكون القوة في الطرح ويستندون للغة الأرقام، مما يُشعر المتابع بأنَّ هناك نوع من الندية المقبولة.
ورغم أنَّ البعض يصنف خروج عدد من الأعضاء من الدورة النيابية قبل نهايتها في دورات سابقة، أو تلويح البعض الآخر بتقديم الاستقالة اعتراضًا على عدم تجاوب السلطة التنفيذية مع مطالبهم، أو عدم السماح بترشح أعضاء سابقين لدورات لاحقة، كنوع من المماحكة السياسية، إلا أن ذلك ولد شعورًا لدى العقل الجمعي في السلطنة أن المجلس يقاوم بندية للإصلاح، ومن هنا لا يجب إسكات الأصوات العالية في المجلس؛ لأنه باختصار سيتحول إلى حملٍ وديع يرعى في حمى الحكومة بهدوء ودِعة، ولا يُقدم المشورة المأمولة لجلالة السُّلطان المعظم- حفظه الله ورعاه-.
قد نتفق على أنَّ أعضاء مجلس الشورى وصلوا للمجلس بناءً على توافقات قبلية في معظم محافظات السلطنة، وهذا أمر طبيعي في ظل مجتمع ما زالت تسود فيه الأعراف، فإذا لم تكن هناك توافقات أو تكتلات فما هو البديل؟! الإجابة ستكون المرشحون المستقلون المشهود لهم بالكفاءة، والمقصود بالكفاءة هنا ليس الشهادات العلمية التي أصبحت إحدى إكسسوارات الدورات الأخيرة، فصعد لمقعد المجلس من تحصَّن بتجمعه وتدثر بشهادته العلمية، فرأى أنه جمع الحُسنيين، ونسي أنه لم يقدم برنامجًا انتخابيًا ووعودًا للناخبين أو بالأحرى لم يعد يهمه ذلك؛ فالأهم هو الظهور المُشرِّف والصمود لبضع دقائق أمام الكاميرا للحصول على مداخلة مجلجلة مع معالي الوزير، ومن بعدها نلتقي في الحلقة القادمة؛ أي مع وزير آخر لخوض تلك الدقائق العلنية كمواجهة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولا شيء غير ذلك مطلقًا.
يسود اعتقاد أنَّ ثبات رئاسة المجلس لعدة دورات سبب نوعًا من الركود، لكن لا حيلة لأحد، فالأعضاء هم من ينتخبون رئيسهم بالاقتراع المُباشر، فما عسانا نقول نحن المواطنين حيال ذلك غير التسليم بالأمر، والدعاء للرئيس أن يكون حلقة ربط قوية بين الشعب والمقام السامي لمولانا جلالة السُّلطان- أيده الله-.
من ناحية أخرى، يرى البعض في الدكتور سعيد بن خميس الكعبي الرئيس السابق لهيئة حماية المستهلك شخصية استطاعت البروز بقوة، مما جعل المؤسسة تقف بحسم في أكثر من مناسبة مع حقوق المستهلك، والأمثلة شاهدة لا حاجة لذكرها في هذا المقام، كما قامت الهيئة في تلك المرحلة بالسعي لضم مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، إلا أنها لم توفق أمام الرغبة الجامحة لوزارة التجارة والصناعة للسيطرة على هذه المؤسسة الحيوية، مما خيّب آمال الكثيرين في السلطنة حول تحرير السوق ومنع الاحتكار وإطلاق التنافسية، فما زالت الوكالات التجارية، والوكلاء الحصريون يتحكمون في مصير المستهلكين، رغم الانفراج البسيط الذي فرضته جائحة كورونا نتيجة للضرورات المُلحة لتوفير المواد الاستهلاكية، بينما ظلت السلع الأخرى تحت رحمة "وكلاء السبعين"، وساهم ذلك في وضع خيارات محددة وباهظة الثمن أمام المستهلكين المغلوب على أمرهم بين موجة الغلاء وفرض الضرائب.
ورغم أنني لم أضم الحجر الثالث للرقابة إلى العنوان، إلا أنني أجد نفسي ملتزمًا بالإشارة إليه لكيلا يفهم القارئ أننا نتعامل بانتقائية؛ فجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يُمثل ثالث الأثافي الرقابية في السلطنة- مع مجلس الشورى وهيئة حماية المستهلك- والذي ينتظر منه المجتمع الكثير من العمل في ظل الضجيج المتصاعد حول المطالبة بمُعالجة ملفات الفساد، خاصةً وأن هذا الجهاز يملك كل الممكنات لإثبات تلك الاتهامات أو نفيها. وتمنيت- كما الكثيرون في هذا الوطن- أن تُحرَّك قضايا الفساد- إن وجدت- عبر هذا الجهاز الذي يتمتع بصلاحيات واسعة ويتبع لمقام مولانا جلالة السُّلطان- أيده الله- مُباشرةً، مثله مثل الجهازين الآخرين: الشورى وحماية المستهلك، مما يعني أن المؤسسات الثلاثة ليس بينها وبين جلالة السُّلطان حجاب... فأين الخطأ إذًا؟
إنَّ تراجع أداء مجلس الشورى كسلطة تشريعية رقابية، وأفول نجم هيئة حماية المستهلك كسلطة رقابية تسعى لحماية الناس من جشع التجار وكبح جماح الاحتكار، وصمت جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة عن ضجيج اتهامات الفساد التي وصل صداها لكل منصات التواصل الاجتماعي، يرسم علامات استفهام بارزة في المشهد الرقابي ويتطلب معالجة سريعة دون تأخير.