جواهر التاج

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

الحُلي العُمانية حكايات صامتة على شفاه الوقت؛ هي الهوية والبطاقة التعريفية لأيِّ بلد فكل قطعة لها قصة.. أصل وفصل.. رواية قد تروى أو تنسى. والنقوش والزخارف والتصاميم المنمنمة لوحة تاريخية اقتُطِعت ونُحتت وصيغت لتظل معرفًا وهوية، فحين تشاهد مجموعة من المصوغات تفندها حسب نوع التصميم وتعرف البلد.. الحلي تاريخ مبهر وحكاية هوية.

وجدتُ جواهر نادرة توارت بين زخارفها رواية، برزت نقوشها تُعلن بصراحة الهوية العُمانية، هي كنوز وتحف فريدة ولكنها من نوع آخر، صُنعت وصُقلت على يدي صائغ محترف وفنان؛ هي جواهر لا تشبه أحدًا، ولا تقبل أنصاف تاجٍ لتشع عليه؛ بل يجب أن يكون لها تيجان متفردة!

الدكتورة فاطمة بنت سالم المعمرية "من جواهر التاج"، هي أول امرأة عُمانية وخليجية تحصل على شهادة الدكتوراه، وثاني امرأة تحصل عليها في الوطن العربي. عاصرت المعمرية حركة التنوير في مصر وانتصر لها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وتقدم شخصيًا بطلب لمجلس الوزراء المصري لمنحها الجنسية المصرية؛ وبالفعل منحها مجلس الوزراء المصري في 15 ديسمبر 1942، الجنسية وكرمها الرئيس الراحل محمد أنور السادات عام 1976.

ولدت فاطمة بنت سالم بن سيف بن سعيد المعمري، بجزيرة زنجبار عام 1911، وتلقت تعليمها هناك، وبسبب اقتصار التعليم على اللغة الإنجليزية، توجهت عائلتها إلى مصر؛ مصدر الثقافة والتنوير، ومنبع العلم في الشرق الأوسط. فبدأت رحلتها التعليمية في القاهرة، وفي 16 مايو سنة 1942، مُنحت درجة الماجستير بمرتبة الشرف الثانية من قسم الدراسات القديمة بكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا). وبعد حصولها على درجة الماجستير طمحت فاطمة أن يتم توظيفها في سلك التدريس بجامعة فؤاد الأول. لم تعترض الجامعة على توظيفها، لكنها قدمت لها عقد توظيف مؤقت غير ثابت؛ كونها غير مصرية، وهنا تدخل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي كان يترأس آنذاك جامعة الفاروق (جامعة الإسكندرية حاليًا)، معترضاً لصالح تلميذته فاطمة المعمرية، وبالفعل مُنحت الجنسية المصرية، وبذلك حصلت على منحة لاستكمال دراسة الدكتوراه في إنجلترا.

جوهرتنا الثانية هي المستشارة سعاد بنت محمد اللمكية أول مستشارة قانونية عُمانية، التحقت بأعرق جامعات إيرلندا، إنها جامعة ترينيتي كوليدج، لدراسة القانون. ولدت سُعاد اللمكية في أربعينيات القرن الماضي في زنجبار، وكانت الفتاة الوحيدة في دفعتها بكلية الحقوق في إيرلندا. وكانت أول امرأة تعمل في الادعاء العام التنزاني بين العامين 1971 و1972، وثاني امرأة تجلس على منصة القضاء كقاضية في دار السلام عام 1974. وانتقلت اللمكية إلى عُمان وعملت في شركة عمانتل وشركة تنمية نفط عُمان، ومن ثم انتقلت إلى "شركة أدنوك" بإمارة أبو ظبي وعادت إلى عمان في 1994، وعملت كمستشارة قانونية في وزارة الشؤون القانونية (سابقًا). وشاركت في مفاوضات اتفاقية التجارة الحُرة مع الجانب الأمريكي، وتفاوضت باسم السلطنة مع شركة شل العالمية.

جواهر التاج، مثل فاطمة بنت سالم وسعاد اللمكية، لا نقرأ عنهن في أي مكان ولا يتطرق لهن إلا متخصص أو أكاديمي أو ذو علاقة قربى، فلماذا لا تُحفظ جواهر التاج في "مكتبة وطنية"، فكما يقال إن المكتبات الوطنية هي الوصيّة على التراث الفكري والنتاج الثقافي للأمة؛ وهي الأرشيف والمخزون المعرفي والمعلوماتي الذي يعكس التراث الثقافي والأدبي والعلمي لأي حضارة.

المكتبة الوطنية "وصي"؛ لأنها تحمي التراث وتحافظ عليه من العبث والتدليس والتشويه والنهب والسرقة، وهي البتار القاطع والصارم الذي يشق لسان الفجور الناهب. عُمان تزخر بتاريخ ممتد ومخطوطات ونتاج فكري وأدبي يجب استثماره وإبرازه وأرشفته. والجواهر يجب أن يكون لها تاجٌ ومعلم بارز يقي ويحمي وينشر ويحفظ الجديد والقديم. لا بُد من وجود "وصي"- مكتبة وطنية- مُعتمدة، تضم قاعات خاصة تحمل أسماء المُفكرين والباحثين والأدباء العمانيين ومن لهم علامة فارقة وبارزة في التاريخ القديم والمعاصر.

آن الأوان أن يكون للتاج جواهر هم الثراء والمغنم العظيم، هم التاريخ الشامخ، هم جبال الحجر والقمر الصامدة الذين يتحطم على أقدامهم تتار التدليس والتشويه ولصوص الحضارات؛ فالجواهر الحقيقة لا يختصرها فيلم!!