حرائق الجبل

 

طالب المقبالي

muqbali@gmail.com

 

عندما يصيب عُمان أي بأس يهب الشعب بكل ما أوتي من إمكانيات يداً بيد مع الحكومة الرشيدة، وهذا تجسيداً للحديث النبوي الشريف برواية النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقد شاءت قدرة الله عزّ وجل أن ينشب حريق في منطقة رأس حرق بجبل شمس بولاية الحمراء، والمطل أيضاً في أجزاء منه على قرى وادي السحتن بولاية الرستاق. وقد نشرت هيئة الدفاع المدني والإسعاف تغريدة في حسابها عبر تويتر أن ‏مركز عمليات الهيئة قد تلقى بلاغاً عن نشوب حريق في أشجار بمنطقة رأس الحرق بولاية ‎الحمراء. وعلى ضوء البلاغ هرعت فرق الإطفاء بمحافظة ‎الداخلية بالتعاون مع طيران الشرطة إلى الموقع للتعامل مع الحريق. وأكدت الهيئة في حينه على عدم وجود خطورة على سكان المنطقة القريبة من موقع الحريق.

ونظراً للتضاريس الصعبة للأماكن التي نشبت فيها النيران فقد واجهت فرق العمل صعوبة في إخماد الحرائق مما استدعى توحيد وتضافر الجهود بين طيران شرطة عُمان السلطانية وطيران سلاح الجو السلطاني العماني والجهات المختصة الأخرى والفرق الأهلية التطوعية. وقامت مجموعة من الطائرات بنقل الأفراد من فرق الإنقاذ بهيئة الدفاع المدني والمتطوعين وتوزيعهم على مناطق متفرقة من الجبل مصطحبين معهم طفايات الحرائق، فيما قام مجموعة من المتطوعين بنقل طفايات الحرائق على ظهور الحمير في مشهد يبهج النفس في هذه اللحمة الوطنية التي تكاتفت فيها الجهود في ملحمة وطنية قد لا نجدها إلا في عُمان الخير.

عودتنا هذه المواقف على اللحمة والتعاضد كالجسد الواحد في هذه البلاد بين الشعب بكافة أطيافه، وبين الحكومة الرشيدة التي تسخر كافة الإمكانيات لديها؛ فالشعب العماني وقف وقفة رجل واحد في ظل الأنواء المناخية والتي كان فيها إعصار جونو هو الدرس الأول الذي وحد الجهود بين الحكومة الرشيدة والشعب، مما خفف من تبعات تلك الأنواء، وكنت على يقين تام بأنَّ حرائق الجبل سوف توحد الجهود، وسنتغلب على المصاحب وستنطفئ النيران في الجبل، لأنَّ شعلة أخرى قد أوقدت لتكافح هذا الحريق وهي شعلة الهمم والحس الوطني والعمل الموحد الذي يقف في جه الصعاب التي قد يمر بها أي جزء من هذا الوطن الغالي، فلا خوف على عُمان بإذن الله.

هذه الحادثة أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي وتفاوتت الآراء والتعليقات، ودخلت على الخط دوماً ككل مرة تغريدات مسيئة للجهود التي تبذل، ومستهزئة بوسائل نقل عبوات الإطفاء على ظهور الحمير، ولكن دوماً الحق والخير ينتصران على الشر وعلى المسيء.

يقول: محمد بن سيف العبري من ولاية الرستاق: ‏في هذا الوقت المتأخر من الليل ثلةٌ من شباب وادي السحتن يتوجهون إلى مكان الحرائق بأدواتهم التقليدية لعلهم يستطيعون أن يخمدوا شيئاً منها أو يمنعوا انتشارها. وقال أيضاً: أكثر من شخص يسألون ما فائدة استخدام الأدوات التقليدية أمام الحريق الهائل؟

فيجيبهم من واقع تجارب ثابتة قائلاً: طبيعة الجبل هنا عبارة عن نسيج متصل من الحشائش الصغيرة وكأنها بساط تعلوها أشجار كالبوت والعتم والعلعلان والشحس وغيرها، فهم يقومون بقطع هذا النسيج حتى لا تتسع رقعة النار.

‏ويروي المواطن خميس الشقصي من ولاية الحمراء في مقطع مرئي نشر عبر وسائل التواصل أنه وقع حريق مماثل في جبل حرق منذ زمن بعيد واستمر أسبوعين وقد قضت النيران على الأخضر واليابس.

وهذه الحادثة قد حركت الشجون وكان للشعر حضور في هذه الحادثة، حيث كتب حمد الحارثي هذه الأبيات قائلاً:

أعلى من الجرحِ هذا إنه ألمٌ // في الروح يحرق أكبادي ويكويها

‏يا قدرة الله تلك النار آثمة // لما تجنت على أرضي ومن فيها

‏وأنت وحدك يا ربي على ثقةٍ // ستطفئ النارَ عن أرضي وتنجيها

وفي تغريدة نشرها سعود اليزيدي قال: ‏لإعادة التوازن البيئي، نحتاج إلى مبادرات شبابية لعمل سدود صغيرة لتجميع مياه الأمطار لشرب الحيوانات والأشجار، وغرس أنواع مختلفة من البذور، لإعادة الطبيعة والحياة إلى ‎جبل شمس وغيره من الجبال والأودية، لأجل عمان خضراء جميلة.

وتختتم هيئة الدفاع المدني والإسعاف بتغريدة على حسابها في تويتر تزف فيها البشرى بالسيطرة على الحرائق تقول فيها: "‏بعد جهود مُضنية وبالتعاون مع شرطة عُمان السلطانية وطيران سلاح الجو السلطاني العماني والجهات المختصة الأخرى والفرق التطوعية، تؤكد الهيئة على سيطرة فرق الإطفاء على الحريق بمنطقة رأس حرق بولاية ‎الحمراء".