عودة الأسد تعني استقرار النظام العالمي

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

قال الرئيس السوري بشار الأسد في كلمة مُتلفزة إلى الشعب السوري بمُناسبة فوزه بانتخابات رئاسة الجمهورية: "في هذا الاستحقاق فإن تعريفَكم للوطنية لم يختلف بالمضمون، لكنه اختلف بالطريقة والأسلوب، وسيختلف حتمًا بالنتائج والتداعيات، وستخترق رسائلُكم كلَّ الحواجزِ والدروعِ التي وضعوها حول عقولِهم، وستنقل عقولَهم من حالة السُبات الإرادي التي عاشوا فيها لسنوات، إلى حالة التفكير القسري فيما يحصل على أرض الوطن.

وأضاف الرئيس الأسد: "لقد أعدتم تعريفَ الوطنية وهذا يعني بشكل تلقائي إعادة تعريف الخيانة، والفرق بينهما هو كالفرقِ بين ما سمي ثورةَ وثوار، وما شهدناه من ثورانِ ثيران، هو الفرق ما بين ثائرٍ يتشرب الشرف، وثور يُعلف بالعلف، بين ثائر نهجُه عزٌ وفَخار، وثورٍ يهوى الذلَ والعار، وما بين ثائر يركع لخالقه، وثور يخر ساجدًا أمام الدولار." وتابع: "عرّفتم الثورة وأعدتم إليها ألقها بعد أن لوث اسمَها جزء من المُرتزقة وفاقدي الشرف حاملي جواز سفر سوري، أنقذتم سمعتها وأعدتم إطلاقها، لذلك ما حصل لم يكن احتفالات على الإطلاق، بل كان ثورة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى حقيقي لا مجازي، ثورة ضد الإرهاب والخيانة والانحطاط الأخلاقي، ثورة لسان وقلم وعمل وسلاح، ثورةٌ عنوانها الشرف ضد كلِ ساقط ارتضى لنفسه أن يكون مطية يمتطيها الآخرون ليصلوا به إلى حيثما يشاؤون". (انتهى).

فوز الرئيس بشار الأسد بعهدة رئاسية جديدة كان متوقعًا من جميع المراقبين والمهتمين بالشأن السوري؛ لأنه رجل مرحلة وإنجاز لأهم وأخطر مفصل في تاريخ سوريا المعاصر وهو القضاء على الإرهاب، والحفاظ على وحدة التراب السوري أولًا وقبل كل شيء. برهنت الأزمة السورية على أن سوريا مُرتكز مهم للشرعية الدولية والنظام العالمي؛ حيث كانت مُختبرًا حقيقيًا للضمير العالمي، ومدى نصرته أو سكوته عن البلطجة الأمريكية في سعيها لتمكين عصابات من مفاصل وسياسات دولة بحيوية ومكانة سوريا، وما يعنيه ذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، فقد تبين للعالم الحُر والضمير الإنساني أن ما يحدث بسوريا جريمة بحق شرعية الدول وسيادتها، والنظم والشعوب في خياراتها وتقرير مصيرها ورسم سياساتها، فلو انتصرت إرادة الإرهاب على إرادة الدولة بسوريا، لأنتجت ديمقراطية داعشية ذات طيف واحد من المعتقدات والطوائف والأديان، وهذا معناه الانقلاب الشامل على سوريا الدولة والتاريخ والحضارة وبُعدها الرساليّ للبشرية، وهو الهدف والمخطط الداعشي الأمريكي لسوريا الغد قبل كل شيء، وقبل الانتقال إلى إنتاج سوريا المُطبعة والعميلة والمعادية لكل مكوناتها، وموروثها القيمي وعقائدها السياسية والعسكرية. لقد أسس الزعيم الراحل حافظ الأسد علاقات راسخة وقوية مع كل من الاتحاد السوفيتي، والتي انتقلت لوريثته روسيا الاتحادية، وجمهورية إيران الإسلامية، وقد تبين للحليفين لاحقًا أن الأسد لم يتحالف معهما من منطلق ضعفه وحاجته لهما؛ بل من قوة وحاجة مشتركة، فعبقرية حافظ الأسد، ودهائه السياسي الحاد لم تكن تسعفه للتخمين بالقادم والمستقبل فحسب؛ بل في استنطاق الواقع ليبوح له بكل تفاصيل المستقبل بلا تورية أو غموض. إن تفكُك الاتحاد السوفيتي وانتصار الثورة الإيرانية ولعب "إيران الثورة" لدور إقليمي محوري وفشل المخططات الغربية لهزيمة الثورة أو تحجيمها، كلها كانت حسابات دقيقة لم تُفارق ذهن الأسد أو تغيب عن أوراق سياسته الاستشرافية لمستقبل المنطقة؛ حيث وجدت روسيا لاحقًا أن "سوريا الأسد" هي مفتاح الحرب والسلام في المنطقة، ويجب دعمها والوقوف معها كدولة وسياسات وإلى الرمق الأخير، بينما وجدت إيران الثورة نفسها تنتصر وتحتاج إلى قدم ثابتة لها مع الحليف السوري لحماية القدم الأخرى على جغرافية إيران من الاختراق وجُهد المعركة.

حين اشتعلت الحرب الكونية على سوريا، راقب الحليفان الروسي والإيراني حليفهما السوري وخططه لمواجهة الأزمة في أعوام الجمر (2011- 2015)؛ حيث بيّنت تلك السنين العُجاف حجم وصلابة الدولة في سوريا، وتماسك مؤسساتها الحرجة، رغم حجم المُخطط وتفاصيله المُرعبة، فقررًا خوض المعركة مباشرة، واعتبار دمشق موسكو وطهران في البعد الاستراتيجي للمعركة. تلا ذلك قرار الرئيس بشار- بدهاء سياسي استثنائي- تدويل أزمة بلاده وجعل سوريا خندقًا أماميًا ومقبرة للإرهاب بالنيابة عن النظام العالمي الحر، رغم خطورة تدويل القضايا السياسية على سيادة الدولة، وخطورة إبقاء الملفات السياسية مفتوحة لمدد طويلة، إلا أن الأسد تحول لاحقًا إلى ما يُشبه المُنقذ للنظام العالمي من خطر الإرهاب المنظم والمنتج عبر أقبية المخابرات الغربية بسخاءٍ كبير، حين استدرج جميع شرفاء العالم للوقوف معه.

وبانتخاب الرئيس بشار الأسد، تنتصر الشرعية الدولية الحقيقية مجددًا، وينتصر معها النظام العالمي برمته ويحتضر الإرهاب الغربي، ويتكشف يومًا بعد يوم زيف الغرب وبلطجة أمريكا وأدواتها، ومساعيها لتغييب وعي الشعوب، وسكب مخدرات مفاهيمها الزائفة للثورات والديمقراطية والحرية في عقولها المحاصرة والمغيبة عن الوعي والإدراك معا.

قبل اللقاء: "لكل إنسان وطنين؛ وطنه الأصلي وسوريا" وول ديورانت.

وبالشكر تدوم النعم..