سيناريوهات ما بعد ارتفاع أسعار النفط

 

مسلم بن سعيد مسلم مسن

سيناريو المتوسط الفعلي لسعر النفط الأعلى من 60 دولارًا أصبح الأقرب للتحقق الآن في ظل المعطيات الحالية، مع عدم اليقين السائد دائماً في أسواق النفط العالمية.

وعند كتابة هذا المقال لامس سعر البرميل 70 دولارًا، مع أن السلطنة وضعت ميزانيتها لسنة 2021 على افتراض سعر يبلغ 45 دولارًا للبرميل. الصورة الكاملة للمشهد لن تكتمل إلا عندما نرجع إلى وثيقة الميزانية بموقع وزارة المالية ونبحث عن مقدار العجز المُتوقع على أساس السعر المفترض حتى نقيس خيارات المالية العامة، إذا ما تحقق سعر فعلي يفوق 45 دولارًا. تلك الوثيقة تشير- في مُلخصها التنفيذي- إلى أنه من المقدر أن يبلغ عجز الميزانية حوالي 2.2 مليار ريال عُماني؛ أي بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المخطط أن يتم تمويل 1.6 مليار ريال من العجز؛ أي بنسبة 73% من الاقتراض الخارجي والمحلي، فيما سيتم تمويل باقي العجز والمقدر بـ600 مليون ريال عبر السحب من الاحتياطيات.

في البداية، من المعلوم أنَّه ليس كل سعر فعلي للنفط يزيد عن 45 دولارًا سيُحقق نقطة التعادل بين الإيرادات والإنفاق، ويجنبنا الاقتراض، لكنه- بلا أدنى شك- سيخلق مرونة أكبر للمالية العامة إذا ما تعدَّى 65 دولارًا، وربما عندما يلامس 70 دولارًا ينقلنا إلى مرحلة التعادل (عندما تتساوى الإيرادات والنفقات). لكن هل نقطة التعادل هي الهدف؟ أم أنَّ النمو الاقتصادي والخروج من أتون الانكماش يسمو على كل غايات المالية العامة؟

بعيداً عن التكهنات حول أسعار النفط الفعلية التي ستتحقق وما إذا كانت تقترب بنا من نقطة التعادل أم لا؟ للعلم متوسط السعر الفعلي حتى نهاية إبريل 2021، بلغ 54.79 دولار للبرميل، مما يضعف احتمالية بلوغ نقطة التعادل، إن لم تتجاوز أسعار الربعين الأخيرين حاجز 70 دولارا للبرميل، ونعتقد أن نجاح الاقتصاد الوطني لعام 2021 يكمن في الوصول إلى نسبة نمو معقولة بالأسعار الحقيقية؛ لأنَّ ذلك سينعكس إيجاباً على المشهد الاقتصادي، وقد تساهم الميزانية العامة- كأداة رئيسية للسياسة المالية- في ذلك إذا ما وُجهت النفقات الرأسمالية والإنمائية التوجيه الاقتصادي المعزز للقيمة والمحفز للنمو. وبين خيارات الالتزام بتعزيز المركز المالي وخيارات تحقيق النمو جدليات عديدة، في حالة أسعار نفط حقيقية أعلى من السعر المفترض، ويمكن أن تشتمل على ما يلي:

** ماذا لو سخِّرت الإيرادات الفعلية لتخفيض نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي تخفيض رصيد المديونية. فقد أشارت وثيقة الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2021 المعلنة في موقع وزارة المالية إلى أن نسبة العجز المتوقع إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي 8% ورصيد المديونية المتوقع 21.7 مليار ريال بنهاية عام 2021. بلا شك أن أية إيرادات فائضة عن السعر المفترض ستخفف من حجم العجز والمديونية المتوقعة، لكنها قد لا توقف تراجع الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يُؤثر على مؤشرات المركز والتصنيف الائتماني عند تحصيلها. وتشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن حجم الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة تتجاوز 15% بنهاية 2020، مقارنة مع 2019، وبلغ بالأسعار الجارية حوالي 24.8 مليار ريال.

** تعظيم أثر زيادة معدلات الاستثمار الرأسمالي والإنمائي يحتاج إلى وقفة. فلو التزمت المالية العامة بسيناريو السعر المبني على 45 دولارا للبرميل ووجهت ما فاض عن ذلك إلى تحفيز الموازنات الرأسمالية والإنمائية في مختلف القطاعات الاقتصادية والتنمية البشرية، هل نضمن تحقيق الأثر المطلوب داخل الاقتصاد؟ إنه تساؤل مهم قاد العديد من الاقتصادات إلى اعتماد مصفوفات فنية تقيس جدوى وأثر الإنفاق على البنية التحتية والقطاعات الاستراتيجية، وذلك بالتعاون مع مؤسسات دولية متخصصة. والأمر ليس بتلك السهولة وتخصيص الموارد المالية لمشروعات- محفوفة بعدم اليقين من الخزينة العامة وفي ظروف اقتصادية لا زالت حرجة- قد يكون على حساب فرصة بديلة في قطاعات اقتصادية واعدة أو على أقل تقدير يُوجه لصالح النظرة المالية الصرفة التي لا تحتاج إلى اجتهادات كبيرة (وتتمثل في خفض العجز وتجنب القروض الخارجية ذات نسب الفائدة المُجحفة).

** ماذا لو ظلَّت تقديرات الميزانية العامة كما هي وقمنا بتوجيه الفارق عن السعر المفترض إلى الاحتياطيات (عبر جهاز الاستثمار العُماني)، الفكرة هنا غاية في الأهمية كون سياسات تعزيز الاحتياطيات لها جوانب استثمارية مُشرقة على الاقتصاد، وذلك بعد سنوات من السحب المُتكرر لمواجهة العجوزات المالية. لكن يبدو أنَّ هذا الخيار يمكن أن يكون أكثر ملاءمة في ظل ظروف مالية مواتية ومركز مالي مزدهر ومديونية معقولة. وصدرت مؤخرًا ورقة للدكتور نايف الشمري حول "صناديق الثروة السيادية لدول الخليج العربية بين الاستدامة والتحديات المستمرة"، ركزت على تحليل استدامة الصناديق السيادية بدول الخليج العربية، والتحديات التي تواجهها مع تراجع العائدات النفطية، وتوصلت إلى نتائج عديدة؛ بعضها ذات علاقة بما نشير إليه هنا، عندما تعطي السياسة المالية الأولوية لفوائضها لهذه الكيانات وحجم الفوائد المتوقعة مقارنة مع العديد من السيناريوهات ومدى توافر القدرة على تحقيق مكاسب مؤكّدَة للشق الاقتصادي والمالي في ظل الوضع الراهن لتلك الصناديق.

لننتظر ما سيحدث فيما تبقى من عام 2021 من تطورات في المالية العامة. قد يقول قائل إنَّ الانشغال الزائد بسعر النفط صعودًا وهبوطًا "مضيعة للوقت"، لكننا عندما نرجع لمكونات الميزانية الحالية لا نستطيع تجاهل الأهمية النسبية له، والتي تأبى التراجع؛ رغم مرور المزيد من الخطط والأعوام، وبالتالي يصعب علينا ألا نوجّه بوصلة التفكير نحو الفرصة الأخيرة للعقد القادم- إذا ما صدقت تنبؤات موجة ارتفاع جديدة لأسعار النفط- واستغلال المورد النفطي في ترميم المركز المالي وتحفيز النمو والتنويع معًا، رغم كل التحديات الماثلة والمستقبلية، وهي فرصة قد لا تتكرر!