جابر حسين العماني
هناك من يظن أنَّ الحياة الاجتماعية والأُسرية التي يُواكبها ستصبح في قمة السعادة، بل وستكون خالية من المنغصات والمنكدات والأحزان، خاصة إذا اقترن بشريك الحياة عبر الزواج، ولكنه يتفاجأ بعد ذلك أن المنكدات والأحزان تُرافقه في الحياة، فيظن أنَّ الحياة السعيدة الكاملة ستأتي عندما يأتي المولود الجديد، ولكن حتى بقدوم المولود الجديد المنكدات والأحزان تأتي للإنسان بين فترة وأخرى، فهي لا تنتهي وكأنها خُلقت لتكون معه أين ما ذهب.
إنَّ الحقيقة المُرَّة التي لابد للإنسان أن يعيها ويتقبلها جيداً، هي أن الحياة الأسرية والاجتماعية محلٌ للابتلاء والمحن والأحزان، وليست محلاً للسعادة الكاملة والمُتكاملة، نعم قد يشعر الإنسان في أوقات مُعينة بطعم السعادة والفرح ولكن هذا لا يعني وجود السعادة الكاملة، لذا يكذب من يقول إنِّه يعيش السعادة الكاملة بتمام معانيها وتفاصيلها، فالإنسان لابد له من خوض الابتلاءات والامتحانات والمُشكلات في هذه الدنيا، من خلال المنغصات الحياتية كالفقر والمرض والهم والغم والشقاء وغيرها.
والحياة بمكوناتها المُختلفة مليئة بالتحديات والابتلاءات والمحن، لذا ينبغي على الإنسان أن يعيش فيها مُبتسماً فرحاً مُتفائلاً بالخيرات والبركات، برغم تلك الابتلاءات الصعبة التي تعصف به بين فترة وأخرى، فبمجرد الابتسامة الصادقة، والقلب النظيف المتسامح، والنفس الطيبة بحلمها وتقواها لله تعالى، يستطيع الإنسان أن يعيش جمال الحياة وينسى آلامها.
ومن طبيعة الإنسان في حياته الاعتقاد بأنَّ الحياة ستبتسم له ولو بعد حين، ولكن تبقى المحن والمُنغصات ترافقه عبر الزمان، وهنا كلام لابد أن يُقال، وهو أن الابتلاءات والمنغصات والمنكدات والتحديات بأنواعها هي الحياة التي لابد للإنسان أن يُواجهها بحزم وقوة وصلابة إيمان.
والسعادة في هذه الدنيا هي الطريق الجميل والمشوار الأجمل الذي لابد للإنسان أن يسعى جاهداً للوصول إليه، قال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلاَّ مَا سَعَى}، فلا يوجد هناك وقت أفضل وأجمل وأحلى للسعادة أكثر من هذا الوقت الذي يعيشه الإنسان، لذا ينبغي عليه أن يستمتع بكل لحظة من لحظات حياته بحثاً عن السعادة.
قال الإمام علي بن أبي طالب: "ثلاثٌ مَن حافَظَ علَيها سَعِدَ: إذا ظَهَرَتْ عليكَ نِعمَةٌ فاحمَدِ اللّهَ، وإذا أبطَأ عنكَ الرِّزقُ فاستَغفِرِ اللّهَ، وإذا أصابَتكَ شِدَّةٌ فَأكثِر مِن قَولِ: "لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلاّ بِاللّه".
ينبغي للإنسان أن يبحث عن السعادة في حياته ليستطيع العيش فيها بسلام وأمان واستقرار واطمئنان، ولكن كيف يستطيع الإنسان الحصول على السعادة في خضم تلك الابتلاءات والمُنغصات الكثيرة التي تمر عليه في فصول الحياة؟
يستطيع الإنسان الحصول على السعادة التي تنسيه الكثير من آلام الدنيا وهمومها ولكن بشرط تحقيق الآتي: أولاً: الإيمان بالله تعالى والرضا بقدره وقضائه؛ إذ لا يستطيع الإنسان الحصول على السعادة في دنياه بغير الإيمان بالله تعالى، فكلما زاد الإيمان بالله تعالى كلما زادت السعادة لدى الإنسان وكلما ضعف الإيمان ازدادت المنغصات ومرارة العيش، كالقلق والاكتئاب والوسواس والفقر وغيرها من المحن.
على الإنسان أن يكون متسامحاً.. سامح من حولك، واغفر الزلات، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "اِحْمِلْ أَخَاكَ اَلْمُؤْمِنِ عَلَى سَبْعِينَ مَحْمِلاً مِنْ اَلْخَيْرِ".
وبالتسامح يستطيع الإنسان أن يشرح صدره، ويسعد قلبه، ويريح نفسه من تلك الصراعات والمنغصات الحياتية، التي تمر عليه من خلال الآخرين، فإذا تسامح الإنسان في دنياه، وعفا وصفح وتجاوز سيستريح ويريح، ليشعر بعد ذلك بطعم السعادة وحلاوتها في نفسه ووجدانه..
كُن من أهل العطاء.. جميل هو الإنسان عندما لا ينسى إخوانه من أصحاب الدخل المحدود، من الطبقة الضعيفة والمحرومة، من فقراء ومساكين أبناء المُجتمع، الذين ينتظرون الخير من إخوانهم، فالعطاء في حد ذاته يشيع الخير والسلام والاستقرار والاطمئنان، وينمي العلاقات الأخوية والإنسانية والاجتماعية، قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
بناء العلاقات الاجتماعية الطيبة.. الإنسان الناجح والسعيد في مجتمعه وأسرته هو من يستطيع تشكيل علاقات اجتماعية وأسرية طيبة بينه وبين أبناء أسرته ومجتمعه، فالعلاقات الطيبة تشعر الإنسان بقيمته ومكانته بين النَّاس، فكلما احترم وقدر الإنسان علاقاته الاجتماعية مع من هم حوله كلما شعر بالسعادة والراحة والفرح والسرور في دنياه.
كتب أمير المُؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي في رسالته لولده الإمام الحسن: "يَا بُنَيَّ؛ اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلَا تَظْلِمْ كَمَا لا تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ".
أخيرًا.. إنَّ الدنيا محفوفة بالبلاء والمحن والمكاره، لذا ينبغي للإنسان أن يعمل فيها لآخرته، وليس هناك أجمل وأحلى من أن يكون الإنسان فيها مُقبلاً إلى الله تعالى بإيمانه، متسامحاً بأخلاقه، كريماً بعطائه وجوده، مُتفاعلاً مع علاقاته الاجتماعية والأسرية، فإذا كان كذاك حتماً سيمنحه الله السعادة والخير والبركة ويُجنبه المكاره والمتاعب والمآسي ويرفعه إلى أعلى المراتب.