علي بن مسعود المعشني
عرفت سلطنتنا الحبيبة في عمر نهضتها الحديثة مفاصل ومراحل استوجبت معها مقتضيات الزمن وطموح باعث النهضة وبانيها السُّلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وكذلك مفردات التنمية تغييرًا دائمًا في الوزارات والوزراء؛ حيث عرف الجهاز الإداري للدولة العديد من الوزارات التي فرضتها ظروف التنمية لمراحل بعينها ثم تمَّ دمجها في وزارات أخرى أو إلغاؤها واستبدالها بأخرى تُواكب طور الدولة وتُلبي أهداف ومتطلبات التنمية.
ومن عاش عقود عمر سلطنتنا الحبيبة منذ بزوغ فجر النهضة المُباركة عام 1970 بحكم عمره ومعايشته أو بحكم اطلاعه واهتمامه سيجد أسماء وزارات، مثلًا: وزارة الأشغال العامة ووزارة التنمية ووزارة البريد والبرق والهاتف، تم إلغاؤها ونقل مهامها إلى وزارات أخرى، وقطاعات كالسياحة والشباب والثقافة تنقلت مابين وزارة الإعلام والتربية والتعليم وهكذا، فبعضها اليوم أصبح قطاعًا مستقلًا أو في وزارات ذات مهام واختصاصات متناغمة.
قطاع الشباب اليوم أصبح قطاعًا مهمًا وواسعًا ولا تستوعبه المؤسسات التقليدية، ليس على مستوى السلطنة فحسب؛ بل على مستوى العالم؛ حيث تمثل فئة الشباب في سلطنتنا الحبيبة أكثر من نصف عدد السكان هذا ما لم نرفع من منسوب العمر وفق تقديرات بعض المنظمات الدولية في تعريفها لعمر الشباب. فالشباب طاقة كل شعب وحيويته ورمز ودلالة كل مُجتمع من حيث الإنتاجية والتفكير والقيم، فهم الشريحة المُناط بها والمعول عليها في قيادة الحاضر وصون الماضي وصنع المستقبل ونسجه من نفيس الماضي وممكنات الحاضر، كما أن قوة الوطنية يُنظر إليها وتُقاس من خلال مؤشرات العقل الجمعي، ومؤطراته القيمية والتربوية لفئة الشباب في كل مجتمع، وبالتالي يمكن قياس مؤشرات المستقبل لأيِّ مجتمع من خلال فئة شبابه بقياس منسوب وعيهم وإدراكهم بالثوابت والمتحولات من حولهم.
ونحن اليوم في السلطنة وبعد انقضاء 5 عقود من عمر نهضتنا أجد الضرورة تدعونا إلى استحداث وزارة أو هيئة مُستقلة تُعنى بالشباب وشؤونهم وشجونهم، وتستوعب قدراتهم وأفكارهم وتحرص على تنميتها، وهواجسهم وهمومهم لتضع الحلول المناسبة لها.
شبابنا اليوم ينفتح قسرًا على عوالم لا تنتهي من حوله بغثها وسمينها، وتكثر الأسئلة والمقارنات في عقله كل يوم بما يفوق ماحوله من جرعات إجابات في الأسرة ومناهج تعليم أو جرعات إعلام محلية، فعقله مفتوح لمن يسكب الكثير ومن يمتلك قوة السيطرة وخاصية الإلحاح أكثر من غيره، ذلك الإلحاح الذي سينتج بالضرورة مواطناً قد لا يروق لنا فكره وسلوكه على الدوام، ولكننا مجبرون قسرًا على تقبله وتفهم مشاعره وأنماط فكره وسلوكه.
قيام وزارة أو هيئة معنية بفهم الشباب وحاجاتهم النفسية والفكرية فهمًا مؤطرًا بالنهج العلمي والعقلي السليم سيمكننا من إنتاج جيلٍ سويٍّ من كافة الأوجه ومحصنٍ من الانبهار السلبي، والغزو الثقافي الذاتي والآتي عبر تعزيزه وتزويده بأدوات المنطق والإجابات الصادقة والعميقة.
شبابنا اليوم بحاجة ماسة إلى جرعات منطقية عن نفيس الماضي، هذا الماضي الذي يُشكل له مفخرة وزادا ثقافيا وحضاريا يسوقه ويحمله أينما حلَّ باعتزاز، وبحاجة إلى حوار مع جيل السلف كي نردم الفجوة والجفوة بين الأجيال، وهي مهمة جليلة لكل المجتمعات الحيوية والتي نشدت الرقي انطلاقًا من قواعد الماضي المُصان، وبحاجة أكبر وأكثر للمواطنة وقيم الموروث والهوية الجامعة والهويات الفرعية دون تزييف لوعيه أو التفاف على قناعاته، وبحاجة كذلك إلى من يُكسبه مهارات التفكير ومهارات النقد والمنطق دون تردد أو تلكؤ أو تحايل، وبحاجة عميقة لمعرفة كل مفردات وطنه من أقوام ومناطق وتضاريس وتاريخ وممكنات.
قبل اللقاء.. جيل الشباب اليوم قد تستهويه المُعلبات والوجبات السريعة، ولكنه بالقطع لاتستهويه الأفكار المُعلبة ولا اجترار التاريخ وتقديس الموروث بلا نقد ولا فرز ولا تمحيص، فهذه جميعها وصفة جاهزة للانبهار والاستلاب والتقليد والمُحاكاة غير الواعية، والبحث عن إجابات خارج إطار الوطن وسياق الموروث معًا.
وبالشكر تدوم النعم.