يوم البيئة العالمي.. مسؤولون وناشطون ومجتمعات جشعة؟

علي بن سالم كفيتان

قد يتفق معي البعض ويختلف البعض الأخر وهذه هي سنة الحياة من حيث قراءة الوضع البيئي في السلطنة ونحن نحتفل بيوم البيئة العالمي الذي يوافق الخامس من يونيو كل عام، ولا أريد أن أكون متشائمًا وأدخل نفسي في نفق البحث والتنقيب عن الأخطاء ووضعها تحت المنظار "هابل"- أكبر منظار لرصد الأجرام السماوية في العالم- وفي ذات الوقت لا أرغب أن أكون مدافعًا عن السياسات البيئية التي رسمت صورة السلطنة طوال 50 عامًا كوني كنت ولا زلت جزءًا من هذه المنظومة.

ربما سيتيح لنا المقال زاوية واقعية أتمنى أن أوفق في طرحها من خلال ما تمنحه الرؤية من مساحة واسعة للعمل البيئي في السلطنة خلال الأعوام الأخيرة. يجب أن تختفي النظرة النرجسية للمسؤول البيئي، وأن يتخلص من عباءة الدفاع المستميت عن الأخطاء كونه الوحيد القادر على تقييم الأضرار وحساب الفوائد وتقديم الحلول؛ بل عليه أن يذهب بعيدًا ليعترف بسلطة المجتمعات المحلية على مواردها، وضرورة إدارتها بالتشارك معهم، ليس بالنيابة عنهم، فمهما كانت السياسات الورقية منمقة ومفعمة بالصور والإنفوجراف (الرسوم البيانية) البراقة، ومحفوفة بنشرات وتقارير بلغات أجنبية عن الوضع البيئي، فإن ذلك لن يكون شفيعًا لإحداث تقدمًا على أرض الواقع؛ فالسعي لنيل رضا المنظمات وتحسين المؤشرات لا يجب أن يكون على حساب العمل الحقيقي على الأرض، فتلك المنظمات لم تعد تعتمد على وجهة النظر الحكومية؛ بل لديها أدواتها الخاصة التي تستطيع من خلالها النفاذ للواقع من خلال السواح البيئيين، والاتصال المباشر مع الناشطين، ومن خلال العمل في الشركات العابرة للقارات، فلن نستغرب إذا وجدنا رئيسًا تنفيذيًا لشركة عملاقة يقدم تقارير لمنظمة أممية معنية بالبيئية؛ فهو يقضي إجازاته في محمياتنا الطبيعية ويرى منشآتها وبرامجها ويتجول بحرية في صحارينا الحالمة وجبالنا الشاهقة وسواحلنا الممتدة، وفي نهاية النهار يجمع ملاحظاته ويرسلها عبر الأثير، مما يعني أنه لم يعد لدينا ما نخفيه عن العالم.

إن بروز الناشطين عبر منصات التواصل الاجتماعي أصبح ظاهرة كونية يقودهم الشغف للبروز وتسجيل الحضور الواسع في هذا العالم، عبر السعي الحثيث لزيادة غلتهم من المتابعين؛ سواء أكان ذلك كإحساس داخلي بالتهميش يخرج في صورة عفوية فيرسموا لنا صور كارثية في كثير من الأحيان وتخلوا صفحاتهم من خبر جميل أو من قصة نجاح، أيعقل ألا تكون هناك زاوية مُشرقة طوال 50 عامًا؟ لاحظت هذا عند أغلب المغردين والناشطين- للأسف- فقد أصبح لديهم مهارات عالية في تصيُد الأخطاء وإبرازها كنوع من التشفي في الجهات الرسمية ومسؤوليها، ولا شك أن القطاع البيئي نال نصيبه الوافر خلال الفترات الأخيرة، وهذا أوجد مادة دسمة للمنظمات المعنية؛ فهي توظف جيدًا هذا الصياح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولن نستغرب أن يصبح المسؤول البيئي كسائق سيارة الإطفاء التي تُلاحق الحرائق التي يتم إشعالها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ففي هذا البحر الهائج من التغريدات لم أجد خبرًا جميلًا، أو صورة مشرقة تتحدث عن عودة صغار النمور للظهور على طريق رخيوت؛ وكأنهم يتفرجون علينا، ويقدمون الشكر على رعايتهم وعودتهم مجددًا للتعايش معنا، فخلف هذه اللقطة كان هناك جهد مضني وعمل دؤوب.. لماذا هذا الجنوح السلبي دائمًا؟ هل فعلًا الوضع سيء لهذه الدرجة؟ علينا الجلوس معًا وإجراء مراجعة متأنية!       

بات المجتمع جشعًا لدرجة لا يمكن تصورها؛ حيث لا ينظر كل فرد إلا لمصالحه الآنية- للأسف- وقد يجوز أن هذه نظرة طبيعية للإنسان الذي جبل على حب المكاسب، فقد استخدم المجتمع المحلي قميص البيئة وتدثر به في كثير من الأحيان لأهداف ومأرب غير بيئية؛ ففي الوقت الذي تلتهم فيه آلاف القطعان الأخضر واليابس يزعم أصحابها الحفاظ على البيئة! فتجدهم يتنادون لإغلاق الطرق الفرعية في الأرياف والسهول مع بدايات الخريف، لكي يقوموا بمحاصرة السياح على الطرق العامة وبعد الخريف يحللون لأنفسهم ما حرموه على غيرهم، فتندفع مركباتهم في كل المسالك ويقودون عشرات الآف القطعان للفتك بما تبقى من أشجار منهكة دون رحمة، فالقطعان تقشر اللحاء وتلتهم جميع البادرات الجديدة على مرأى ومسمع من المتدثرين بثوب البيئة وحب الطبيعة... هل هذا التناقض مقبول؟

ربما على المجتمعات المحلية العودة إلى نفسها، والتفكير بصدق وشفافية والبحث عن الحلول الناجعة لحماية ما تبقى من طبيعة عُمان الجميلة. وكل عام وبيئتنا في نماء.