تزوج صينية!

 

خالد بن الصافي الحريبي

 

تقول طُرفة إنَّ شابًا نوى أن يُكمل نصف دينه ففاتح أهله قائلاً: أريدُ صينية! فما كان من نبع الحنان إلا أن ردَّت عليه: هذا المطبخ واختر ما تشاء. ولكن اليوم، وبعد مرور حوالي عشرين عاماً من سماع هذه الطرفة من باب ترويح القلوب على مقاعد الدراسة، لم يعُد أحد يتنّدر بمثل هذه النكات على الصين.

فعلاوة على كونها من أقدم حضارات العالم؛ إذ يمتد تاريخها المُوّثق لأكثر من 4 آلاف عام، وأكبرها مساحةً تصل لحوالي 10 ملايين كيلومتر مربع، وجيوشاً؛ إذ تُعد قواتها المسلحة بالملايين، فالحضارة الصينية الأولى في العالم في تحقيق "الاستقلال التكنولوجي" ومن المُتوقع أن يصل ناتج الاقتصاد الصيني إلى 30 تريليون دولار، ويُصبح أقوى اقتصاد في بضع سنين، وهي أكثف حضارات العالم سكاناً وأعزها نفراً ويصل تعداد أنفسها لحوالي مليار ونصف المليار نسمة.

ولقد أهدى الصينيون عالمنا اختراعات لا تُحصى، لعلَّ أهمها ما أثرى عقولنا ودافعنا به عن أنفسنا؛ الورق والبارود. علاوةً على عِلم القيادة العسكرية والإدارة الاستراتيجية اليوم يدين بتأسيسه للجنرال والمفكر "صن تزو" صاحب كتاب "فن الحرب". ويعزو المؤرخون ما وصلت إليه الحضارة الصينية اليوم من ازدهار إلى كفاءة قادتها في النهوض بأهم مسؤولياتهم حسب تعاليمهم الكونفوشيوسية حول الرسالة السماوية لكل راعٍ مسؤول عن رعية وهي: تحقيق العيش الكريم للنَّاس. ولم يحِد قادتها عن هذه التعاليم على اختلافهم قيد أُنملة؛ منذ عصر سلالات أباطرتها الست: الشيا، والتشين، والهان، والتانج، والسونج، والتشينج وصولاً إلى قادتها الاشتراكيين الحاليين. وبناءً على ما تقدَّم يُمكن أن يُطرح السؤال من باب ترويح القلوب: هل لديك أدنى شك في أنَّ زواجك بصينية أو صيني له ميزاته؟

مميزات صحية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نِعمتان مغبونٌ فيهما كثير من النَّاس؛ الصحة والفراغ"، وعلى أساس هذا الهدي، فإنَّ للزواج بصينية فوائد لا تحصى؛ أولاً: ستضمن لك الصين مُكرّماً التطعيم من جوائح الدهر بلقاحاتها مثل سينوفارم، ولن تضطر للتعايش مع مخاطر الإصابة بفيروس كوفيد-19 دون أمان تطعيم يلوح في الأفق. ولن يطلب منك أحد أن تُقدِّم الشكر والثناء والحمد لمسؤول صحي على ما لم يفعل!! وعلاوة على ذلك ستستفيد من العلاج الطبيعي والغذاء الصحي الصيني، وستتعلم فنون التأمل والدفاع عن النفس التي استمتعنا بمتابعتها أيام أفلام البطل الرياضي "بروس لي" رحمه الله مثل الكونغ فو وغيرها.  كما إنَّ الاجتهاد والاستفادة من الوقت مقدّسٌ. ولا زلت أذكر كيف كنَّا نلاحظ كطلبة جامعيين مغتربين أن السَهر الذي كان يصيبنا وقت السحور في شهر رمضان المبارك كان أيضاً يُصيب الطلبة الصينيين والهنود الذين كانوا يعمّرون كل مختبرات الغرب العلمية والأدبية، وأصبحوا اليوم عِماد الاقتصاد الرقمي حول العالم، وبالأخص الصينيين الذين تبّنوا الابتكار حكومةً ومُجتمعاً واصطبروا على تطبيقه قولاً وعملاً على مدى 20 عاماً إلى أن أتى بثماره اليوم، وهو ما لم تسطع عليه صبرا مجتمعات كثيرةٌ أخرى.

مميزات تعليمية

كما جاء في الهدي النبوي الشريف "اطلبوا العلم ولو في الصين" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فالصين اليوم تكاد تكون القوة الأولى في العالم في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بكل فروعه، ويتصدر علماؤها مجالس أهم الشركات الناشئة ومجالس البحث العلمي حول العالم، لعل أهمهم د. كاي فو-لي المُستثمر وصاحب كتاب "القوى الأربع للذكاء الاصطناعي". وتختلف توجهات التربية والتعليم في مجتمعاتنا عن الصينية؛ فهم يعتبرون الاجتهاد في طلب العِلم سنةً من سُنن الحياة؛ سواء في التعليم العام أو الخاص؛ بينما تتوجه مُجتمعاتنا حالياً للتعليم الخاص حرصاً على أن يعززوا واسطة أبنائهم مع زملائهم من أبناء المسؤولين المبشّرين بالعيش الكريم لانتماء أهلهم لوظائف قيادية في الجهات السيادية والاستثمارية.

مميزات اقتصادية

تضمن لك الصين أن تعيش حياةً كريمةً بقدر اجتهادك، فإذا كانت ميولك أدبية فستحتويك جامعاتها العريقة ومُؤسساتها الثقافية ذات الصلة بطريق الحرير. وإذا كانت ميولك عِلمية فتستقطبك شركاتها المُبتكرة العابرة للقارات؛ من شركة "هواوي" التي تعدت دورها من الريادة في قطاع الاتصالات لتصبح قوة في الثورة الصناعية الرابعة والأمن القومي الصيني وشركة "علي بابا" عملاق الاقتصاد الرقمي وعلى الأخص التجارة الإلكترونية، أو شركة "هاير" عملاق الأجهزة  الإلكترونية التي يُصبح موظفوها المُبتكرون شركاء معها، أو عشرات الشركات الأخرى الرائدة في قطاع الطاقة التقليدية والمتجددة وقطاع الأمن الغذائي والمائي وغيرها. ومع الصين حسب اجتهادك ستقي  نفسك الجوع وتؤمّنها من الخوف وستعيش في سعةٍ ولو كنت غير ذي مال، ولن تدفعك الحاجة إلى أن تتجمع ولا تتظاهر ولا تقف وقفة سلمية ولا لأن "تعتصم"، بغير حبل الله.

مميزات اجتماعية

من الموّثق أنَّ التعاليم الصينية الكونفوشيوسية مبنيةٌ على قِيم احترام الأسرة، إلا أنَّ هناك تحفظ مُهمٌ على ما طرأ على ثقافة المُجتمع الصيني. فعلاوةً على أنَّ الصين تترّصد تحركات كل مواطنيها عبر "نظام الائتمان الاجتماعيSocial Credit System "، فقد أثارت تحفّظ الكثير من مناهضي الظلم حول العالم باستهداف آلتها العسكرية والتكنولوجية والإعلامية الضخمة لإخضاع مواطنيها المُسلمين الإيغور وطمس هويتهم الروحانية وتسخيرهم كمواطنين من الدرجة الثانية لحساب بقية مواطنيها. وهذا مرّده لتنامي الدعاية العالمية التي تُكرِّس صورة سلبية مُعاديةً للإسلام، ولم تفلح مجتمعاتنا لهذا اليوم أن تتفق على كلمة سواء للأخذ برسالتها وكتابها وتوضيح صورتها بقوة. ونسأل الله عزّ وجلَّ أن يرفع الظلم عن كل المظلومين.

النمر الرابض والتنين الخفي Crouching Tiger Hidden Dragon.

تقول حكمةٌ صينية: "كان أفضل وقت لزرع شجرة قبل 20 عامًا، وثاني أفضل وقت هو الآن" فالصين تبنّت الابتكار منذ 20 عاماً، وتحصد ثماره اليوم صحياً وتعليمياً واقتصادياً. فإن كانت مُجتمعاتنا جادة في حمل أمانتها في تحقيق العيش الكريم لأبنائها فحريٌ بنا أن ننفذ هذا بأمانة اليوم، وإلا فإنَّ مجتمعاتنا سيتكالب عليها كل نمرٍ غربي رابض وتنين شرقيٍ خفي.

بارك الله في نهضتنا المتجددة وأيِّد قائدها السلطان هيثم بالحق يا رب العالمين.