قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتحديات المرحلة

مسلم بن سعيد مسلم مسن
تحديات المرحلة الحالية تتعاظم على المؤسسات الصغيرة والمُتوسطة بالسلطنة، فبدلاً من أن يكون التفكير في تنميتها وتعزيز مُساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، حوَّلت الجائحة المسار لأن يكون هدف المُحافظة على بقائها عنوانا رئيسيا للسياسات والبرامج والتدابير المتخذة في هذا الشأن.
ولعل القرارات الأخيرة للجنة العُليا المُكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا شكّلت انفراجة إلى حدٍ ما عبر إنهاء العمل بقرار حظر الأنشطة التجارية، بيد أننا لا ندري إلى متى يستمر اعتمادا على مجريات انحسار الجائحة. كما تعمل الحكومة جاهدة بما يتوافر لها من إمكانيات على تقديم المزيد من الدعم لقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبالأخص لروادها العاملين لحسابهم الخاص؛ سواء من خلال الميزات المتوافرة قبل الجائحة أو المبادرات التشغيلية الأخيرة وبرنامج القروض الطارئة، ولكن الواضح أنَّ القطاع لا يزال يحتاج إلى المزيد من المُساندة من الجميع وفي كل الاتجاهات، ويأتي دور الجهة المختصة: هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة "ريادة"، مهماً ومحورياً لتبني مطالب القطاع وتذليل تحدياته وترسيخ أقدام مؤسساته على أرضية الاقتصاد الوطني لترفده بمساهمات مجزية، حتى تصبح قوام نموه، ومحرك صعوده، ومصدر قوته وثباته أمام الأزمات أياً كان نوعها (مالية، صحية، اجتماعية ...إلخ).
وحتى يتحقق كل هذا لابد من أن تكون هناك سياسات وبرامج نوعية تستهدف ترقية هذا القطاع على المديين المتوسط والبعيد وأن ننحى إلى ما نحت إليه كبريات الاقتصاديات العالمية التي بالفعل نجحت في تكوين قطاع عريض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكِّل مساهمته نسبة محرزة في الناتج والتوظيف الذاتي وسلاسل القيمة داخل القطاع الواحد وما بين القطاعات داخل الاقتصاد. وقد لا يقصد من هذه السياسات والبرامج مُعالجة تحديات القطاع أثناء الجائحة وإنما أبعد من ذلك لأننا على يقين بأن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يعاني من صعوبات جمَّة حتى ما قبل حلول الجائحة الجاثمة على صدر الاقتصاد الوطني من عامين تقريباً، ولا يختلف اثنين أنها عمَّقت من النزيف الاقتصادي والمالي لمؤسساته وعجلت بخروج بعضها من السوق. 
باعتقادي أنَّ البداية تكمن في أن يكون هناك إطار قانوني عام يوفر الحماية لهذا النوع من المؤسسات من خلال استصدار قانون لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث إنَّ هذا التشريع سيُصبح مظلة ملزمة لكل الجهات والمؤسسات المنضوية تحت هذا القطاع، بعيدا عن الاجتهادات والتطبيقات المتوافقة أحياناً مع مصلحة القطاع والمتعارضة في أغلب الحالات. كما إن هذا التشريع ولائحته التنفيذية  وقراراته سيُعزز وجوده- بلا أدنى شك- من دور الهيئة ويُحدد علاقتها مع الجهات الحكومية الأخرى ويزيد من عملية التنسيق والترابط ووضوح الصلاحيات والالتزامات تجاه القطاع وذلك عند التنفيذ. الموضوع الآخر الذي سيخدم القطاع إعادة صياغة السياسات التمويلية الموجهة للقطاع سواء الحكومية المنفذة من بنك التنمية أو المُتعلقة بالقطاع المصرفي الذي يشرف عليه البنك المركزي أو الخاصة بالصادرات (وكالة ضمان ائتمان الصادرات العمانية).
هنا لابُد أن تتعاضد جهود السياسة التمويلية للبلاد لصالح هذا القطاع وألا تتشتت وتتبعثر في عدة اتجاهات، فتوافر الائتمان الذي يُناسب هذه المؤسسات ضروري جداً لنموها والحفاظ على تنافسيتها. ونقصد هنا القروض التنموية الموجهة من بنك التنمية- القروض الحالية توجه فعلاً للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة- لهذا لابُد أن تزيد من حيث العدد والنوع وتتوسع في توفير رأس المال العامل للمشروعات في هذا المجال وتعزيز خدمة الاستشارات الفنية بالتعاون مع الهيئة حول دراسات جدوى تلك المشروعات. وبالنسبة للقطاع المصرفي فإنَّ تعاميم البنك المركزي السابقة قد خصصت 5% من المحفظة الإقراضية للبنوك التجارية ونسب التحقيق يبدو أنَّها تواجه صعوبات عديدة. النسبة جيدة لنمو المؤسسات، لكن الضمانات والإجراءات البنكية لا زالت صعبة على تلك المؤسسات، بطبيعة الحال لا يُمكن التَّخلي عن الضمانات البنكية لأنها تضمن حقوق المساهمين في البنوك ولكن تخفيف نسبتها عبر أدوات مصرفية مُعينة سيكون مفيدا إذا ما أردنا أن تستفيد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من الائتمان المقرر بـ5% لصالحها، بينما هو واقعياً- على ضوء التجارب السابقة- بعيد عن التحقق. كما إن نسبة الفائدة التجارية للبنوك لا تشجع على الاقتراض من قبل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي أحيان تفوق معدلاتها العائد المتوقع على الاستثمار، وهذا تحدٍ قائم، وقد تكون المُعالجات من عدة زوايا لا يُمكن جزافاً إلقاء اللوم على البنوك وحدها- فهي ليست جهات خيرية- وإنما التفكير في عوامل عدة؛ منها: تخفيف الكلف التشغيلية، وتفعيل برامج ضمانات القروض الحكومية، وتعزيز تنافسية القطاع المصرفي، واعتماد بدائل أكثر في قطاع التمويل والتأجير والنوافذ والبنوك الإسلامية ...إلخ. أخيرًا.
إن أدوار هيئات تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على مستوى العالم تعتمد على عقلية وتفكير القطاع الخاص، في إدارة قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من حيث نوعية التثقيف والتدريب واعتماد الأساليب والأنماط الحديثة لإدارة وتسويق الأعمال؛ لأن التطبيقات والتجارب والنماذج العملية الناجحة هي مصدر إلهام فئة كبيرة من رواد الأعمال، وعمليات نقل التكنولوجيا عبر الشراكات العالمية وتشجيع الابتكار والانفتاح على العالم وخلق أسواق وخيارات عديدة لهذه المؤسسات، تمثل أمرًا غاية في الأهمية، ولا يجب أن نحسر دورها- أي هيئات تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- فقط في تكريس الحماية؛ لأنها في يوم ما لن تصمد أمام المنافسة الشرسة في بيئات اقتصادية تمتاز بالديناميكية، وهذا ما نتوقع أن يكون في حسبان هيئة "ريادة"، المعقود عليها آمال كبيرة للنهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على المدى المنظور.