هل في مدرستكم دارٌ للقرآن؟!

 

د. حميد بن مهنا المعمري

halmamaree@gmail.com

 

أن نعيش في مُجتمع مُسلم يدين أهله جميعاً بالإسلام، وهو بطبيعة الحال الدين الرسمي للدولة، ولا تجد فيه داراً للقرآن الكريم، المصدر الأول للتشريع الإسلامي، نفتخر ونُفاخر بها إن افتخر القوم ببرج إيفل.

إذن، فأيُّ "دارٍ" سوف نجد؟! وبأيِّ دارٍ سوف نفتخر؟!

في هذه العُجالة أُحاول أن أنقل لكم تجربة مُصغرة لدار القرآن في إحدى مدارس محافظة جنوب الباطنة، بولاية الرستاق؛ بعد ظهور نتائج مُسابقة القرآن الكريم، بشقيه الحفظ، والتلاوة، خاصة إذا ما علمنا بأنَّه في كل عام دراسي، يحصد طلاب المدرسة مراكز مُتقدمة، وهذا بفضل من الله، وأثر وجود تلك الدار، والقائمين عليها.

وقد تضافرت الجهود لرؤية هذا المشروع على أرض الواقع في مدرسة صهيب بن سنان للتعليم الأساسي (5 -12)؛ فكان للمعلمين المؤسسين: قسم التربية الإسلامية بالمدرسة، وعلى رأسهم الأستاذ القدير سعيد بن حمد الشقصي، وغير المؤسسين، والمجتمع المحلي، وأصحاب الفضل، وكان بعضهم لبعض ظهيرا، اليد الطولى في إيجاد هذا المشروع الرائد أو الدار الخصبة على أرض صلبة أصلها ثابت، وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها.

بعدها أخذت الأفكار تتجاذب، وتتوالد لإثراء الدار بالأفكار الطموحة التي لاريب ستحدث تغييراً جذرياً وجوهرياً في مستويات طلاب المدرسة، ولو بعد حين.

هنا، وبعد اكتمال المشروع، جاء الدور لإحياء الدار، بضخ الدماء إلى شرايينها، وإنعاشها بسقيات الخبرة المتراكمة في البحث عن متخصص في تلاوة القرآن الكريم، ويكون محسوباً على قسم التربية الإسلامية في المدرسة، له نصابه من تركة ميراث الحصص التي يتم توزيع أنصبتها في بداية كل عام دراسي جديد، للذكر فيه مثل حظ الأنثيين؛ ليبدأ عمل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، في رفد هذه الدُّور بعناصر مُتخصصة في تلاوة القرآن الكريم، باعتبار أنَّ الوزارات يُكْمل بعضها البعض؛ فكما توجد غرفة خاصة للصحة المدرسية، وأُخرى للصحة النفسية؛ فإنه ولا ريب بحاجة جميع المدارس ذكورا وإناثا، إلى غرفة أو فصل دراسي خاص لتعليم تلاوة القرآن الكريم وتحفيظه؛ لأثره البالغ في مستويات طلابنا في القراءة، والذي بدوره سيُلقي بظلال تفوقهم ذلك على مستوياتهم في بقية المواد الدراسية. وأبعث لكم هذه المناشدة في قالب سؤالٍ استنكاري من العيار الثقيل مضرج بالتَّعجب الذي تُشْتَم أنفاسه من بعيد، وقد أكملت عشرين سنة في قلب الميدان المدرسي، وقد تنقلت من مدرسة إلى أُخرى، وأعلم بأنَّ المدارس- كل المدارس- لن تضيق ذَرعا بفصل دراسي، يكون من اختصاصه تعليم القرآن الكريم وحفظه، بل أجزم يقيناً بأن كل غُرف المدرسة تنادي أن اختاروني لأكون ذلك الفصل الذي يدوّي بين جنبات جدرانه عبق صوت القرآن بروحانياته المعهودة (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَىٰ بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا) فإن لم تفعلوا، فاقترعوا عسى أن أكون- أي الغرفة- صاحبة الحظ السعيد، فإذا كان هذا لسان حال الجماد من الغرف، تتسابق وتتنازع وتختصم فيما بينها ليكون لها الشرف في أن تكون آذان جدرانها خاشعة لتلاوة القرآن من خشية الله، وعيون مصابيحها تتلذذ بقراءة من يقرأ القرآن، "لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ" فكيف بقلوب بريئة غضة طرية، يُغرس فيها الخير غرساً، وتكنز فيها الفضائل كنزا؟!

فيا وزارة التربية والتعليم، نرجو تعميم هذه التجربة على جميع مدارس السلطنة؛ بطريقة منظمة، وليس بجهود ذاتية متناثرة من هنا وهناك؛ فإنكم جميعاً تدركون ما أعني، وسوف نقطف جميعاً ثمار بركة القرآن في جنبات المدارس، وليكن في تصميم خرائط المدارس الجديدة، فصلٌ دراسيٌّ يحمل اسم (دار القرآن الكريم)؛ فهل سنرى ذلك واقعاً ملموساً، مع بداية العام الدراسي الجديد القادم في مدارسنا أو سيظل فكرة ما تلبث حتى تتبخر، كما تبخر غيرها من أفكار؟

أفليس لي الحق بعد هذا كله أن أسأل بصوت عالٍ، وبخط غامقٍ: هل في مدرستكم دارٌ للقرآن الكريم؟!