الوطن والمواطن

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

الوطن ليس مُجرَّد بقعة جُغرافية يعيش عليها الفرد فيُصبح مواطناً أو مُقيماً، بل هو البيت الواسع الذي يتَّسع للجميع بالحنان والعطاء والكرم والجود، وفي مُقابل ذلك على المواطن أن يكون عيناً ساهرة لحماية وطنه، وحفظ مُكتسباته، ومُقدراته وثرواته وأمنه من الانفلات والضياع والشتات، وردع كل من تسول له نفسه الإساءة للوطن ومنجزاته.

إنَّ حماية الوطن، من الأفكار الضالة، التي ليست لها صلة بالعادات والتقاليد والأعراف الأصيلة واجب وطني ملقى على عاتق المُواطن، لذا ينبغي حماية الوطن من الشائعات المغرضة التي يتبناها أصحاب الأفكار الضالة والأهواء المشبوهة الذين لا يظهرون مواطنتهم وانتماءهم للوطن إلا بقدر ما يُدفع لهم من أموال مجهولة المصدر والهوية. ومن الواجبات الوطنية المهمة المُلقاة على عاتق أهل الوطن هو الحفاظ على أسرار الوطن، وعدم ذكرها للأعداء، فالجهر بأسرار الوطن يُعد خيانة عظمى، وتآمراً أعظم ضد مصالح الوطن والمواطنين، فالإنسان الذي يخون وطنه، ويتآمر عليه، هو إنسان بعيد عن الإيمان بالله، لا دين له ولا عقيدة، وهو مخالف لشريعة الله وطاعته وأوامره. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} صدق الله العلي العظيم.

ليس هناك أمانة ثقيلة يُحافظ عليها المواطن، كثقل وعظم أمانة الوطن العظيم، الذي يجب الحفاظ عليه، والذود عن حماه، والتعايش معه في كل الظروف، قال رسول صلى الله عليه وآله سلم عن وطنه الذي كان يسكنه مكة: "مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْ لاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ".

كما إنَّ من واجب الدولة الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، كذلك من واجب المواطنين المُخلصين المساهمة الوطنية الفاعلة في حفظ  أمن واستقرار الوطن، وحفظ ممتلكاته وإنجازاته، فإنَّ حب الوطن وحمايته والدفاع عنه والولاء له فطرة إنسانية شجع عليها الإسلام الحنيف، فلا يتحقق الحب والولاء للوطن بمجرد رفع الشعارات البراقة هنا وهناك، وإنما يتحقق حب الوطن بالعطاء في سبيله، والدفاع عنه في أيِّ وقت يحتاج إلى أبنائه الأوفياء؛ بل ولا تتحقق حماية ومحبة الوطن العزيز إلا بالمحبة والتآلف والتَّعاون والتَّآزر بين أطياف أبنائه، ليكونوا يداً واحدة متحابين متوادين متعاونين بهدف حماية الوطن والعيش المشترك فيه، فإنَّ حب الوطن يعني العطاء والإنجاز والإبداع والوفاء والإخلاص للوطن؛ بل وبذل الغالي والنفيس من أجله، لرفع رايته عالية خفاقة بين الأمم، قال الإمام علي بن أبي طالب "عُمِّرَتِ اَلْبُلْدَانُ بِحُبِّ اَلْأَوْطَانِ" و"حُبَّ اَلْوَطَنِ مِنْ اَلْإِيمَانِ".

إنَّ حب الوطن فطرة إلهية، فطر الله بها العباد، فلابد من الحفاظ على تلك الفطرة النقية الطاهرة، وتنميتها بفعل الخيرات من أجل خدمة الوطن وازدهاره ونجاحه وإعلاء شأنه بين الأمم، ولا يكون ذلك إلا بغرس حب الوطن وحمايته في نفوس الأبناء من خلال الأسرة والمسجد والمدرسة والكلية والجامعة.. إنَّ من الواجبات الضرورية تعليم الأبناء منذ نعومة أظافرهم، أن حب الوطن هو إجبار النفس على احترام الوطن وترابه وقوانينه وأنظمته وتشريعاته، بل حتى المحافظة على نظافة شوارعه وموانئه ومصانعه ومنشآته وأشجاره وجباله ووديانه وسهوله، وعلينا أن نزرع ثقافة حب الوطن في نفوس أبنائنا وبناتنا.

إنَّ المواطن الصالح هو من يستطيع أن يضحي من أجل وطنه بنفسه وماله، وبكل غالٍ ونفيس، لحماية الوطن ومن عليه، ممن يريد إثارة الفتن والاضطرابات والشائعات بين الناس، وليستطيع المواطن أن يكون مواطناً صالحاً نافعاً فاعلاً في خدمة وطنه، عليه أن يحسن التعامل مع الآتي:

أولاً: التربية الصالحة؛ حيث يجب أن ننشأ جيلاً طيباً مُحباً عاشقاً لوطنه، مساهماً في نجاح وازدهار وتطور البلاد والعباد، في شتى المجالات العلمية والعملية.

ثانياً: التعامل بحسم وعزم مع المُخربين، وعلينا ألا نخشى ممن يُريدون زعزعة الأمن على أرض الوطن العزيز، لذا من الواجب النصح والإرشاد، وفي حال لم يفد النصح والإرشاد، يجب إبلاغ الجهات الأمنية المختصة عن تلك الفئات الشاذة، وعن مواضع تواجدهم وخطرهم على المجتمع وأفراده.

ثالثاً: التوعية، فكما يجب على المواطن التربية الصالحة، والتعامل بحسم وعزم مع المخربين الذين يسيئون إلى أمن البلاد والعباد، يجب عليه توعية من هم حوله من الأسرة والجيران والمجتمع، بأهمية الأمن والاستقرار في داخل نطاق الوطن الواحد.

رابعاً: العين الساهرة؛ إذ يجب أن يكون كل مواطن ومقيم عيناً ساهرة على أمن الوطن واستقراره، ولا يترك أي مجال لزعزعة أمن المجتمع والوطن، أو إثارة الريبة والبلبلة، أو إطلاق الإشاعات أو الشبهات التي من شأنها أن تخل بالأمن العام، فإذا لم يتمكن من صد ذلك فلا ينبغي أن يتهاون في إبلاغ الجهات المختصة التي تملك صلاحيات الحد من كل ما من شأنه أن يخل باستقرار الوطن، وتقوم بواجبها في حفظ أمن واستقرار الوطن والمواطنين.

 أخيرًا.. علينا كمواطنين أن نسعى بكل تفانٍ وإخلاص لإنجاح الخطط التنموية في الوطن على كل الأصعدة، بهدف نقل الوطن العزيز إلى حال أفضل وأجمل وأحلى، بما يليق به وبسمعته وشأنه بمختلف الأصعدة سواء كان على الصعيد التعليمي أو الاقتصادي أو الصناعي، فتطبيق ذلك على الواقع يعني الحب الحقيقي والولاء للوطن.