"بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ"

 

د. حميد بن مهنا المعمري

نُؤكد ونُشدد ونُمْسك بيدٍ من حديدٍ على كل من تسول له نفسه المساس أو العبث بأمن عُمان، التي تُحب جميع أبنائها بلا استثناء من مُسندم إلى ظفار.

وجديرٌ بالذكر في هذا المقام، أنَّه مما يجب أن يُنْتَبه له ويُلتفت إليه في الوقت الراهن أن يعلو صوت الحكمة فوق جميع الأصوات، خاصة حينما يتعلَّق الأمر بالأم عُمان؛ فما أجمل عُمان! وما ألطفها!

ما أجمل العدل بين الأبناء! وما ألطف المُساواة بينهم! على الرغم من أننا لم نعرف من هذين اللفظين سوى معناهما في ذات حروفهما، لكننا وددنا لو رأينا العدل يمشي على قدمين يقضي بين الناس، وشاهدنا  المساواة تسير مسرعة كالسحابة تنهمر خيراً وكرماً على البلاد؛ "فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ". رجونا الله لو ابتسم العدل للجميع، ونادى بصوتٍ عالٍ أن لا تظالموا ولا تخاصموا ولا تنافسوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا؛ فإني أقضي بينكم بحكم الله، ثم تأتي المساواة مسرعة في قالبِ ثوبٍ مُطرّزٍ يلبسه الفقير والغني، والصغير والكبير، والقوي والضعيف؛ "فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ".

وفي المُقابل، ما أقبح الظلم بين الأبناء! وما أشد مرارته على النفس! وما أشد خطره على البلاد والعباد! (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ) وسنة الله لا تتغير في خلقه، "لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ".

إنني كمُتابع لما يحدث، وابن من أبناء هذا الوطن الغالي الذي غيرتنا فيه إلى النخاع؛ حيث إنه مسقط الرأس ومهد الآباء والأجداد، فليس عيباً أن يطالب أحدٌ  بحقه المشروع، لكن يجب أن يكون في إطار الأخلاق والآداب الحسنة المانعة للانزلاق والسقوط والانحدار في وحل المُخالفات.

ومن جانب آخر فإنَّ تفاؤلي يُناطح عنان السماء، وإنّ الاعتصامات السلمية التي ينتهجها الشباب للمطالبة بحقوقهم ظاهرة صحية تبعث في النفس السعادة والراحة والاطمئنان؛ لأنَّ في جوف المِحن مِنَحَاً، وفي البلايا خبايا؛ فيجب احتواؤها بالكلمة الطيبة والأسلوب الراقي، والطريقة الحكيمة المعتدلة والمتزنة، والاستماع الجيد لهم، ومحاورتهم، مع تحقيق الرغبات، وتقديم الأولويات والاستجابة السريعة والفورية لمطالبهم المشروعة التي خرجوا من أجلها. وبجانب ما سبق فإنني أتفهم جيدا كمراقب من بعيدٍ توجس الجهات الأمنية من انحراف الاعتصامات السلمية إلى الفوضى والشغب والتخريب، ولكنني في ذات الوقت أراهن على وعي الشباب في تنظيم صفوفهم، وطرد وتخليص وتنظيف اعتصاماتهم من المُندسين، الذين ليس لهم عملٌ سوى إثارة الفوضى وتغيير مسار الاعتصامات السلمية إلى تصادم مع قوات حفظ الأمن والنظام.

إنَّ الدروس والعِبَرَ التي يُمكن أن يستقيها العاقل ويغرف منها الراغب من أحداث الدنيا، كثيرة، فكلٌّ يأخذ منها ويدع، فالدرس الذي تأخذه الجهات المسؤولة يختلف عن الدرس الذي يتعلمه خريج الثانوية، والدرس الذي يستنبطه الغني، يختلف عن الدرس الذي يقرأه الفقير، والعبرة التي يعتبر بها المُتعلم يختلف تأثيرها عند الجاهل لكني على يقينٍ بأنَّ الجميع سيأخذ الدرس من هذه الأحداث والمواقف التي تجري، لكن ما أخشاه أنّ القليل النادر من سيحتفظ بهذا الدرس للأيام القادمة، وتلك الأيام نداولها بين الناس؛ فهذه عُمان "بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ".