علي بن سالم كفيتان
لا بُد من الإشارة إلى أن كاتب الرأي يجب أن يمتلك حقائقَ وأرقامًا، يستطيع من خلالها بناء موقف مُحايد وعقلاني يصب في مصلحة الوطن والمواطن، خاصة في مثل هذه المراحل الحساسة، ولا يجب أن تقودنا العاطفة، وإن كان مضطرًا للتحليل في ظل غياب مصدر معلومات رسمي يمكن الاعتماد عليه؛ فالتحليل يستند- في هذه الحالة- لأوعية إعلامية شتى.
وكم يشعر الواحد منا بالأسف العميق عندما يتابع حدثًا يجري في بلاده من خلال قنوات تلفزة أجنبية ويجد فيها تفاصيل ربما غير مُتاحة في الساحة الإعلامية المحلية، ويتصدر تلك النشرات الأجنبية متحدثون بأسماء جمعيات مهنية وناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي بالسلطنة، يغردون بآرائهم وتحاليلهم خارج رداء الوطن، هذا يمنحنا رسالة مفادها أن الساحة الإعلامية في بلادنا ليس بها متسع ولا تمتلك زمام المبادرة، ولا التعاطي مع مثل هذه الأحداث المفصلية؛ فوجب علينا التنويه- ككُتَّاب رأي- والتذكير بأهمية إجراء إصلاح شامل للمنظومة الإعلامية الرسمية في السلطنة؛ كإحدى المطالب الرئيسية للمواطن، فالصمت المُطبق للإعلام الحكومي، والتضييق غير المُبرر على الأوعية الإعلامية غير الحكومية في السلطنة جعل الجميع يتابع القنوات الإعلامية الأجنبية، ويثق بما تطرح من تحليل لشأننا الداخلي.
ما حصل هذا الأسبوع كان متوقعًا بنسبة كبيرة، ولم يكن وليد الصدفة؛ فقد سبقته إرهاصات لا يمكن تجاهلها، وليس المكان هنا اليوم لإعادة التذكير بها؛ فقد سردناها في مقالات كثيرة يمكن الرجوع إليها. فالتحليل المنطقي يقول إن عام 2011 طفت المشكلة إلى السطح مما يعني أنها كانت موجودة، فتم علاجها وفق آليات تلك المرحلة من حيث امتصاص قرابة 50 ألف باحث عن عمل وبشكل مباشر وبدون مقابلات ولا اشتراطات مثل ما يقولوا "من الساحة إلى معسكرات التجنيد، ومكاتب الجهات الحكومية والشركات". وفي عام 2013، جرى توحيد جداول الرواتب ورفع الأجور، فساد الرضا النسبي مع تجاوب الحكومة السريع، وأشاد بذلك عدد من مراكز صنع القرار حول العالم؛ فوُصف العلاج بالحكيم؛ خاصةً مع التجاوب غير المسبوق في تغيير أعضاء بارزين في الحكومة، طالب الشارع باستبعادهم من المشهد.
لكن السؤال الملح اليوم: إذا كان الحدث متوقعًا، فما السيناريوهات التي رسمتها الحكومة للتعامل مع التجمعات الشعبية في معظم محافظات السلطنة للمطالبة بالوظائف وتحسين مستوى المعيشة ومكافحة الفساد؟
كمراقبٍ للأحداث، لا بُد لي من الإشادة بالتعامل الأمني مع مسيرات الشباب الباحثين عن عمل، فرغم حضور الهاجس الأمني في أول أيام الوقفات الشبابية بصحار، إلا أن المتابع يستشعر وبقوة أن ولي الأمر مولانا جلالة السلطان المعظم- أيده الله- كان حاضرًا من خلال التعامل الراقي للجهات الأمنية، ونعتقد جازمين أن ذلك كان نتاجًا مباشرًا للتوجه المسالم للشباب ووعيهم بأهمية الحفاظ على مكتسبات وطنهم، فلم نرَ بشكل عام أي أعمال شغب أو اعتداءات على الممتلكات الخاصة أو العامة في طول البلاد وعرضها- حتى كتابة سطور هذا المقال- وهذا خلق مناخًا جيدًا للتعامل مع الحدث، لكنه لم يفرز تجاوبًا مثاليًا معها، مما يُعطي انطباعًا بغياب السيناريو الذي كان متوقعًا وفق جميع المعطيات السابقة. فوزارة العمل كانت غارقة في قضايا هيكلية وتخطيطية وأحاديث لم تكن موفقة مع الرأي العام، وجاءت في مجملها محبطة ومقيدة، وآخرها كان لقاء أصحاب السعادة وكيليْ العمل في البرنامج الإذاعي "رؤية اقتصادية".
هنا يمكننا القول إن أثر الكلمة في بعض الأحيان يفوق أي تأثير آخر مهما كان، وخاصةً خلال المراحل الانتقالية التي نعيشها؛ لذلك قد ترى وزارة العمل تغيير خطابها للمجتمع خلال الأيام المقبلة فأوصاف وعبارات مثل: موظفي الكنبة- الترقيات حسب الإنتاجية- الوزارة ليست مسؤولة عن التوظيف وغيرها، غذت الإحباط وساهمت بشكل مُباشر في تأزيم الموقف.
الجرعة الأولى من الحلول التي قدمتها حكومة صاحب الجلالة- أيده الله- كانت مؤشرًا إيجابيًا، وجاءت في معظمها متبوعة بكلمة "الإسراع"، مما يعني أن الإجراءات كانت موجودة لكنها تأخرت؛ وهو ما عجّل بخروج الشباب إلى الشارع. فمن الذي يُساءل عن تأخير إجراءات تعيين قرابة 7000 موظف يفترض أن يكونوا اليوم قد باشروا أعمالهم في القطاع العام؟ ولماذا الإجراءات أخذت كل هذا الوقت؟ بالطبع المواطن ليس السبب وعلى الحكومة أن تُجيب على هذه التساؤلات.
وفي الوقت الذي تجرى فيه خطوات تصحيحية مؤلمة طوال عام ونصف العام، كان الإعلام مُغيّبًا، وظلت وتيرة العمل الحكومي بطيئًة؛ فالمواطن لا تهمه شهادات الوزير ولا خبراته في إدارة الشركات أو عبقريته في نشر أوراق علمية مجهرية في مراكز الأبحاث، بقدر ما يريد منجزًا على أرض الواقع.. حفظ الله بلادي.