تغليب صوت العقل والحكمة

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

ندخل اليوم الرابع من أيام التَّجمعات المُطالبة بقضية عادلة هي قضية الباحثين عن عمل حيث انطلقت الشرارة من ولاية صحار لتعم ولايات عديدة في السَّلطنة، وقضية الباحثين عن عمل هي قضية عالمية وليست خاصة بعُمان، وهي مُتكررة في الكثير من البلدان، وعلاج هذه القضية يحتاج إلى وقت ولا يُمكن مُعالجتها في ظرف أيام بسيطة.

وفي السلطنة كأني أرى القضية تُعيد نفسها التي كانت في عام 2011، فقد عايشتُ تلك الأحداث منذ انطلاقتها، عندما كنت مراسلاً صحفياً لجريدة الرؤية، وما يحدث في عام 2021 هو نفس السيناريو الذي لا نتمنى أن يتكرر ويعود، فقد سببت تلك الأحداث قلقاً نفسياً وخسائر مادية كبيرة لا يمكن حصرها، وعلينا أن نتعلم من الدرس ونستفيد من الماضي فلا يُعقل أن نُخرِّب بيوتنا بأيدينا.

إذا كانت أحداث 2011 قد انتهت بجميع ما فيها من إيجابيات وسلبيات، فإننا علينا جميعاً أن نقف صفاً واحداً لتحقيق مطالب الشباب وعدم جعل أحداث 2021 تخرج عن السيطرة، ونأتي فيما بعد نتلاوم ونلقي باللوم على بعضنا البعض، فعلى الجميع أن يقوم بدوره في النصح والإرشاد والتوجيه. وقد لاحظنا خلال الأيام الماضية كيف كان التواجد الأمني قائماً بدوره الوطني كما عودنا دائماً، ومع هذا الدور المشهود والمقدر للأجهزة العسكرية والأمنية وضرورته للحفاظ على الأمن العام في البلد، لكنه غير كافٍ؛ إذ لابُد من وجود تحركٍ فاعلٍ من قبل المسؤولين؛ لاحتواء الشباب والجلوس معهم وإقناعهم بأنَّ قضية الباحثين عن عمل سوف تُعالج في أقرب فرصة ممكنة، وهذا التحرك لا بُد أن يكون سريعًا من قبل الجهات الحكومية المعنية بالأمر.

أغلب الشعب يقف مع القضية العادلة للباحثين عن عمل، فقد زادت أعداد العاطلين والمسرحين عن الحد المعقول؛ ففي كل بيت يوجد باحث عن عمل أو مُسرَّح أو أكثر من ذلك، ورغم ما تقوم به وزارة العمل من جهود إلا أنَّ هذه الجهود يشوبها عدم الشفافية والوضوح، فما يضير وزارة العمل من نشر أسماء الموظفين بشكل مُستمر في الصحف المحلية أو عبر المواقع الإلكترونية الخاصة بها ومنصات التواصل الاجتماعي، لتكون دليلًا صادقًا على التوظيف الذي تقوم به، فهناك من يُشكك في الأرقام التي تصدرها الوزارة، ولمعالجة هذه الإشكالية على الوزارة الالتزام بالمصداقية والشفافية ونشر أسماء الموظفين بالمؤسسات الحكومية والخاصة في وسائل الإعلام، فالجمهور مطلع ومتابع وفاهم لكل ما تقوم به المؤسسات الحكومية.

وإذا كان أغلب الشعب مع قضية الباحثين عن عمل فإن كل الشعب يقف صفاً واحدًا بمطالبة المحتجين بعدم التخريب والخروج عن النظام العام والحفاظ على الهدوء وعدم المساس بالممتلكات العامة والخاصة والاستماع إلى التعليمات والتوجيهات، وتحكيم صوت العقل والحكمة وعدم تشويه السمعة الحسنة التي عرفت بها البلد على المستويين الداخلي والخارجي، فعُمان أمانة في رقابنا جميعاً، والحفاظ على المكتسبات الحضارية والتقدم الذي وصلت له هو واجب على كل فرد من أفراد هذا الوطن، والغضب على مسؤول معين أو فرد من الحكومة لا يعني بأي حال من الأحوال أن نصب غضبنا على مقدرات الوطن وترابه وسمعته.

لقد وصلت الرسالة إلى المقام السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- وهو يولي اهتمامًا خاصًا بقضية الباحثين عن عمل والمُسرَّحين، وكلنا يقين بأنه ستكون هناك أخبار مُبشرة بحول الله ترضي كل شرائح المجتمع، وعلينا أن نثق في الحكمة السلطانية التي تقود وطننا دائمًا إلى بر الأمان، وندعو الجميع للعودة إلى منازلهم وانتظار النتائج الإيجابية التي سوف تصدر من قبل صاحب الكلمة الأولى والحكيمة جلالة السلطان المُفدى- نصره الله- فكلنا أمل وتفاؤل بأنَّ القرارات سوف تكون على قدر الحدث.