"أقل قدر من الأخطاء" عند كارل بوبر

 

عيسى الغساني

كارل بوبر (Karl ppope) فيلسوف نمساوي إنجليزي مُتخصص في فلسفة العلوم ولد في 1902 ورحل في 1994، ويُعد أحد أهم المولفين لمفهوم فلسفة العلم في القرن العشرين.

ومن أهم أعماله هو "البحث عن معيار صادق للعقلانية العلمية"، ومن أهم آرائه الفكرية في مفهوم مذهب المنفعة والذي شرحه في كتابه المجتمع المفتوح وأعدائه هو المبدأ الاجتماعي "أقل قدر من ممكن من المعاناة" ويقابل هذا المبدأ، فكرة المفكر الإنجليزي جون ستيورات ميل "أكبر قدر من السعادة"، وتكمن أهمية مبدأ أقل قدر من المُعاناة، في أنه يلفت النظر إلى المشكلات، وكيفية محاولة إيجاد حلول بأسلوب علمي، مع التأكيد على أن يكون الحل والإصلاح مستمرا.

فمثلاً في مجال الإدارة تواجه المشكلات بحلول آنية ومستمرة، وكذلك التوجه نحو المشاكل الاجتماعية التي تؤثر على الإنسان والمجتمع والتصدي لها؛ وهو منهج اجتماعي علمي مكرس للتغير الإيجابي المستمر.

وأهمية مبدأ أقل قدر من المعاناة أو بصيغة أخرى أقل قدر من الأخطاء هو التحفيز على الفعل العاجل للإصلاح، فيما يظهر من أخطاء وعيوب وسلوكيات غير صحيحة في السياق الاجتماعي، أو في مجال العمل في أي منظومة إدارية أو علمية أو اجتماعية. وهذه قاعدة منهجية تدعو إلى دفع الضرر بأقل كلفة وبأسرع وقت وقبل أن يتفاقم ويصبح ظاهرة وتتداعى الآثار السلبية، ويصبح الإصلاح بكلفة عالية وربما يكون متأخرًا ومستحيلاً.

وفي شأن فكرة الإصلاح والاعتراف بالخطأ، يسرد بوبر مبدأ توتر الحضارة والهروب من المسؤولية، ويقول بوبر إن الإنسان بطبيعته لا يرغب في تحمل المسؤولية ويسعى بكل الطرق للتخلص من عبء المسؤولية وإلقائه على غيره. لذلك حرصاً على مصالح المجتمع العليا، من الضروري وضع إطار عام، ونظام يضع كل مسؤول أمام واجب اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية الكاملة عن تبعات قراره.

التوقع والفرضية

ومن حيث الواقع تنطوي كل السياسات وكل القرارات التنفيذية والإدارية على توقعات، وعند عدم حدوث التوقعات، يكون من الواجب الإصلاح أو التعديل، فكل إجراء إداري أو قرار هو فرضية تختبر عند تطبيقها ومن المتصور حدوث نتائج لم تكن في الحسبان. وتؤدي إلى عواقب غير مقصودة.

وإذا ربطنا الفرضيات بتوقعات وأهداف يتوخى تحقيقها، يكون في حكم الضرورة أن من يؤكل له مهمة التنفيذ يملك المعرفة والإرادة لاتخاذ الإجراءات والقرارات التصحيحية، ولكن عند تكرر الإخفاق، تحتم المصلحة والضرورة الوقوف لإعادة التقدير، حرصاً وخشية من أن تكرار الأخطاء قد يؤدي للوصول إلى النقطة الحرجة التي يتعذر عندها الإصلاح، والوقوف يعني استبدال الأفكار وإحلال عقول أخرى بأفكار أكثر استنارة قادرة على الإبداع والتجديد.

محتوى النظرية وفكرة الحقيقة والجهل

وعلى مستوى العلم يرى بوبر أن هناك فكرتان محتوي النظرية، وفكرة الحقيقة، وعلى الرغم من أهمية التفريق بين المفهومين، إلا أنه يجب الاعتراف بالجوانب الإيجابية لمحتوي النظرية، وإنه لا يجب دحض النظرية قبل الأوان وبشرط إعمال منهج صحيح. وأنه لايجب تقديس النظريات لأن ذلك يخلق مشكلة أكبر وهي الدوجماتية.. ومن أهم أفكار كارل بوبر عن تطور العلم "هي يجب أن يستحضر الإنسان أن قدراته محدودة وأن الجهل خاصية ذات صلة وثيقة بالإنسان" ومن الأهمية وجود رخاء اقتصادي، ومناخ اجتماعي يحفز البحث العلمي. وهاجم بوبر ماسماه بالتاريخانية، مخالفاً فكرة أن التاريخ يعيد نفسة وأن الحاضر والمستقبل ليسا انعاكساً للماضي.

ويقول بما إن المجتمع متعلم فلا يمكن أن يتفاعل المجتمع مرتين بذات الطريقة مع نفس الواقعة، ومن النادر أن تحدث أزمتان اقتصاديتان لنفس السبب. إلى جانب تأكيده على تداخل عالمي الملاحظ أو الباحث وموضوعه لأن للباحث طموحات وأهدافٍ.