جابر حسين العماني
ذات مرة أجلسني أحد المُمرضين بقربه، طالباً مني الاستماع للحادثة المؤلمة التي رآها أمام عينيه، أثناء فترة عمله، رحبت بدعوته الكريمة، فقال لي: في إحدى المرات جاءني أحد الآباء بابنته الوحيدة- وهي في العشرين من عمرها- إلى المستشفى، وكانت شديدة الجمال، ولكنها كانت تتقيأ بين فترة وأخرى، وتشتكي من الصداع..
وبعد إجراء الفحوصات قال: الطبيب للأب: مبارك لك أيها الأب ابنتك حامل..
صُعق الأب مما سمعه من الطبيب، صرخ عالياً، ابنتي ليست مُتزوجة فكيف حملت؟! هنا علم الطبيب أنَّ البنت ربما مارست الفاحشة، وبعد التحقيق في القضية تبين أنَّ البنت نفسها ذات يوم مرضت، وبدل أن يأخذها أبوها إلى المستشفى لعلاجها أخذها إلى أحد المُشعوذين، وبمجرد أن رآها المشعوذ اُعجب بها، وما كان منه إلا أن قال للأب: إن ابنتك فيها مس من الجن، وتحتاج إلى علاج دقيق جداً، وهو أن أقرأ عليها القرآن والأذكار والأحراز الخاصة بعملي، وهذا يتطلب منك أيها الأب العزيز الذهاب وترك البنت هنا والعودة بعد ساعة أو ساعتين، وكن مطمئناً بشفاء ابنتك.. استطاع المشعوذ إقناع الأب بترك البنت للعلاج، فترك الأب ابنته الوحيدة مع المشعوذ واثقاً به، غير مبالٍ بما سيحدث لابنته الوحيدة.
اختلى المشعوذ بالبنت، وحاول اغتصاب عقلها، فأقنعها أنَّ علاجها سيكون ناجحاً اذا أذعنت واستمعت وأطاعت لما سيطلبه منها، فقالت له: سأفعل ما تطلبه مني، إذا كان في ذلك شفاء لي، فقال لها: نعم ما سأطلبه منك فيه الشفاء المؤكد لمرضك فلا تخافي، فطلب منها عرض جسدها عليه حتى يتمكن من علاجها، شعرت البنت بالخوف، وامتنعت عن ذلك، فأصر عليها مُهدداً، إذا لم تفعلي ذلك فإنَّ الجان الذين هم على رأسي سيتسببون بمقتل أبوك وأمك، فلا تكوني سبباً في موتهما، فما كان منها إلا أن تكون ضحية رخيصة أمامه.
هذه الضحية ليست هي الضحية الأولى، فهناك الكثير من أبناء المجتمع الذين بجهلهم أعطوا الثقة العمياء للدجالين، والشوافين، والعرافين، والمتكهنين، الذين أبدعوا بأكاذيبهم، بهدف اغتصاب عقول الناس الأبرياء قبل أجسادهم، وجعلهم ضحايا رخيصة بين أيديهم، مُستغلين جهل الناس لزيادة أرصدتهم في البنوك، غير مهتمين بالأضرار الجسيمة التي يلحقونها بالمجتمع وأفراده، وذلك من خلال ممارسة الخرافات والبدع التي ما أنزل الله بها من سُّلطان.
من المؤسف جداً أن الكثير من عمليات النصب والاحتيال التي يقوم بها المشعوذون، ومن يدعون السحر، أوصلتهم بالعوالم الأخرى، يقومون بكل تلك الخرافات والأكاذيب بهدف الاستيلاء على مجوهرات النساء وأموال الرجال، فيقومون بإقناع الضحية بأنهم يمتلكون القدرة على جلب الحظ، وزيادة الرزق، وإيجاد الحلول للمشاكل الأسرية والزوجية، بل ولهم القدرة على جمع الأحبة، وتوفير الوظائف والمناصب الكبيرة، وشفاء الأمراض المستعصية، بطرقهم الخاصة التي لا يملكها أحد غيرهم كما يزعمون، والتي كلها أكاذيب يفتعلونها ليقنعوا الضحية بأنهم صادقون فيما يملكون من قدرات خارقة، وسرعان ما يوهمون الضحية بصدق كلامهم يمارسون الاحتيال والنصب والاستيلاء فمن ينقذ الضحية؟
يعتقد الباحثون أنَّ أكثر من يرتادون بيوت المشعوذين هم النساء غير المُتعلمات، ولكن واقع الحال يكشف لنا مع كل الأسف أن بعض تلكم النساء هن من حملة الشهادات العليا، ولا يقتصر الأمر على النساء فحسب؛ بل يتعدى إلى الرجال المتعلمين الذين يحملون الشهادات، وهذا مما يُؤسف له في واقع المجتمع العربي من اغتصاب للعقول بشتى مستوياتها الفكرية فقد جاء في الخبر أنَّ امرأة أقبلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: إن لي زوجاً وبه غلظة عليَّ، وإني صنعت شيئاً لأعطفه علي؟
فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "أُفٍّ لَكِ كَدَّرْتِ اَلْبِحَارَ، وَكَدَّرْتِ اَلطِّينَ، وَلَعَنَتْكِ اَلْمَلاَئِكَةُ اَلْأَخْيَارُ، وَمَلاَئِكَةُ اَلسَّمَاوَاتِ وَاَلْأَرْضِ".
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "مَنْ مَشَى إِلَى سَاحِرٍ أَوْ كَاهِنٍ أَوْ كَذَّابٍ يُصَدِّقُهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ مِنْ كِتَابٍ"..
وروي عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب أنَّه قال: "اَلسَّاحِرُ كَالْكَافِرِ وَاَلْكَافِرُ فِي اَلنَّارِ".
لذا على المجتمع وأفراده أن يعوا جيداً خطورة الشعوذة والمشعوذين من الدجالين، والشوافين، والعرافين، والمتكهنين، وما يسببونه من أضرار فادحة على المُجتمع وأفراده، كما ينبغي على كل فرد في المجتمع أن يسأل نفسه جيداً: إذا كان المشعوذون قادرين على توفير المال والوظائف والمناصب والصحة والعافية لمن يلجؤون إليهم، فلماذا لا يستطيعون توفير كل تلك الوظائف والمناصب والصحة والعافية لأنفسهم؟!، لماذا يلجؤون إلى المستشفيات إذا مرضوا؟!، أليس هم من يدعون القدرة على الشفاء من الأمراض المستعصية؟!
على أفراد المجتمع التعاون لمحاربة أهل الشعوذة والخرافة، وإبلاغ الجهات الأمنية عنهم، وعن مواقع تواجدهم، بالمساهمة الفاعلة لتطهير المجتمع منهم ومن دجلهم وخرافاتهم، فذلك واجب وطني لحماية الوطن والمواطنين من شرهم وكيدهم، بهدف إنقاذ المجتمع وأفراده من بطشهم، فمن سينقذ الضحية؟