قوانين الجنسية.. إشكالات واختلافات

 

د. سعيد بن سليمان العيسائي

كاتب وأكاديمي

 

الحديث عن أمور الجنسية والإقامة من الأمور الشائكة والمتشعبة؛ نظراً لما يشُوبها من إشكالات واختلافات ومحاور تُثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستغراب لدى العديد من المهتمين والمتابعين لهذا الموضوع الحساس والدقيق إلى حد ما.

وسنتناول في هذا المقال مجموعة من المحاور ذات الصلة بالإقامة والجنسية كشروط منح الجنسية في بعض البلدان والقواسم المشتركة بينها، وشرط إجادة اللغة لمنح الإقامة والجنسية، وموضوع "البدون" في بعض دول الخليج والعائدين من زنجبار، وموضوع سحب الجنسية وإعادتها والجدل الذي ثار حوله.

والذي نودُ التأكيد عليه هنا أن هذه القضايا والمحاور التي أشرنا إليها تختلف من بلد إلى آخر وفقاً لسياقات تاريخية واجتماعية تفرض نفسها على الساحة بين الفينة والأخرى، الأمر الذي يقتضي التعاطي معها بشكل مُنظم ومدروس من جميع النواحي. وتتفاوت الدول في منح الجنسية، في حين يتساهل بعضها في منح الجنسية، يتشدد البعض الآخر وتقف دول أخرى موقفاً وسطاً بين هؤلاء وأولئك من خلال وضع شروط وضوابط تقنن منح الجنسية.

كما أن هناك دولاً تمنح الجنسية لأغراض اقتصادية كجمهورية بيليز مثلاً تحت مسمى "المواطنة للاستثمار". وأفادت وسائل إعلام مختلفة أن قبرص منحت جواز السفر الذهبي لعدد من رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب عام 2014 مقابل دفع ما يزيد على 650 ألف يورو لصندوق التنمية الوطنية، الأمر الذي وفر لهم العديد من الميزات والمزايا. وقد تم سحب هذا الجواز من 26 من هؤلاء المستثمرين ورجال الأعمال تمهيداً لإيقافه بعد ملاحظات من دول الاتحاد الأوروبي على بعض الحاصلين عليه من الأجانب بسبب ما قيل عن تورطهم في غسيل الأموال.

وإذا بدأنا بشروط منح الجنسية، فإنَّ منها مدة الإقامة التي تتراوح بين 10 إلى 20 سنة، ومنها حسن السيرة والسلوك للمتقدم الجنسية، والإلمام باللغة العربية كما هو محدد في الشروط المصرية مثلاً، وحصول المتقدم على مهنة أو حرفة؛ أي أنه يعمل أو له مصدر دخل يُعيل به نفسه وأسرته.

هذه الشروط هي الشروط العامة في العديد من الدول، وهناك شروط خاصة تحددها بعض الدول كالحصول على مستوى معين من اللغة في مستوى (التوفل والآيلتس) لمن أراد الحصول على إقامة في الكثير من الدول الناطقة باللغة الإنجليزية. وفي ألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول هناك شرط الحصول على مستوى محدد في لغات تلك الدول.

ومن المؤسف أن تمنح بعض دول الخليج الجنسية لبعض الأجانب غير الناطقين باللغة العربية دون اشتراط مستوى مُحدد في اللغة الرسمية للبلد من خلال دورات واختبارات تحدد لهذا الغرض. كما تلجأ بعض دول الخليج إلى كتابة اسم تلك الدولة التي يُقيم فيها الفرد والراغب في الحصول على الجنسية منها بلدَ ميلادٍ لهذا الشخص، وإن كان قد ولد في دولة أخرى لرفع مستوى الجنسية.

وقد يلجأ من صدرت ضدهم أحكام أو عليهم ملاحقات قضائية إلى طلب الحصول على جوازات سفر أخرى لدول تحميهم أو تتستر عليهم أو تتلكأ في تسليمهم إلى دولهم أو الدول التي صدرت ضدهم فيها تلك الأحكام.

وتمنح بعض الدول الأوروبية الجنسية للطفل المولود فيها. وبعض الدول تسمح بالجمع بين جنسيتين، والبعض لا يسمح بذلك، فمجرد حصول الشخص على الجنسية الثانية تسقط تلقائياً جنسيته الأولى.

وهناك نوع آخر من أنواع الجنسية وهي الجنسية الفخرية التي تمنحها الدولة لشخص أجنبي تكريماً وتقديراً له لإنجازاته وإسهاماته لصالح الدولة .ومن الدول التي تمنح هذا النوع من الجنسية الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ونيذرلاندز (هولاندا) وفرنسا وأستراليا وغيرها من الدول .

والحاصل على هذه الجنسية لا يُعد مواطنا عاديا أو أصليا في تلك الدولة، ولا يحصل على أية حقوق أو امتيازات أو واجبات وضرائب .ومنحت بعض دول الخليج الجنسية بصفة استثنائية لبعض الكفاءات النادرة وبصفة خاصة من الكادر الطبي من رعايا الدول العربية. وأعتقد أن بعض الاستثناءات في منحِ الجنسية- وخصوصا في بعض الدول العربية- تحكمها مجموعة من الاعتبارات السياسية والقانونية والأمنية والاقتصادية.

وإذا انتقلنا إلى أهم القضايا الشائكة في مجال الجنسية ألا وهي مشكلة البدون في دولة الكويت وفي بعض دول الخليج، فإنِّه يُستحسن في البدء تعريف هذ المصطلح. ويُقصد بهم الأشخاص غير محددي الجنسية أو عديمي الجنسية، وأخيراً أُطلق عليهم في الكويت تسمية مُقيم بصورة غير قانونية. واستطاعت بعض دول الخليج أن تجد حلا لهذه الإشكالية من خلال توقيع اتفاقيات مع بعض الدول لمنحهم جنسيات تلك الدول. أما في الكويت فالمشكلة ما زالت تراوح مكانها منذ سنوات طويلة على حد علمي.

وإذا انتقلنا إلى موضوع العائدين من زنجبار بعد الانقلاب على الحكم العُماني في زنجبار عام 1964م، فإننا نُود التنويه إلى أن الكثير من العُمانيين غادروا إلى بريطانيا ومصر والسعودية وبعض الدول الإفريقية المجاورة. والواضح أن العودة من زنجبار بدأت على مراحل، كانت المرحلة الأولى منها في عهد السلطان سعيد بن تيمور؛ حيث جاءت مجموعة من العُمانيين المغادرين لزنجبار، بينما فضل بعضهم البقاء في الدول التي هاجروا إليها لتدني المستوى المعيشي والخدمات في عُمان في ذلك الوقت .

وعندما تولي السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في عُمان، دعا العمانيين إلى العودة إلى وطنهم عُمان، فعادت مجموعة كبيرة من العُمانيين إلى أرض الوطن. وسمعت بعد ذلك أنه عاد مجموعة من العُمانيين من ذوي الأصول الزنجبارية إلى عُمان بصفة استثنائية بعد سنوات من تولي السلطان الراحل الحكم، وأذكر أن وزارة التربية والتعليم حينها قامت بتأليف كتب لتعليم اللغة العربية للعائدين بالتعاون مع شركة نفط عمان. لعل آخر العائدين إلى عُمان من بريطانيا مؤخراً سُلطان زنجبار السابق جمشيد بن عبد الله بن خليفة بن حارب الذي كان سلطاناً على زنجبار أثناء وقوع الانقلاب.

وقد دأبت بعض الدول الخليجية على الحديث عن الدور العربي والخليجي في شرق أفريقيا وزنجبار في وسائل إعلامها وفي بعض وسائل التواصل الاجتماعي.

وإذا كان هناك دور خليجي واضح فما الذي يمنع من أن تقوم هذه الدول بمنحِ الجنسية للذين يعانون من مضايقات وصعوبات في زنجبار أو بعض الدول الإفريقية المجاورة.

وهناك بعض الدول تمنح البطاقة الخضراء(Green Card) وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهي عبارة عن برنامج تأشيرة هجرة التنوع أو الهجرة العشوائية وهي قرعة سنوية للحصول على رخصة الإقامة الدائمة والمعروفة باسم "البطاقة الخضراء" في الولايات المتحدة الأمريكية بتفويض من الكونجرس وتديره وزارة الخارجية الأمريكية. ولهذه البطاقة ميزات منها السفر بحرية تامة من وإلى الولايات المتحدة الأمريكية، ويحق لحاملها العمل والاستفادة من خدمات الصحة والتعليم والضرائب والتقاعد والضمان الاجتماعي وغيرها من المساعدات.

وقد أثارت مشكلة اللاجئين السوريين في ألمانيا وغيرهم من اللاجئين في الدول الأخرى، وخصوصاً المهاجرين غير الشرعيين أو طالبي اللجوء بعد أحداث الربيع العربي وما تبع ذلك من حالات حروب وعدم استقرار في بعض الدول تساؤلات وجدلاً واسعاً حول مدى إمكانية منح هؤلاء حق الإقامة أو الحصول على جوازات سفر البلدان التي هاجروا إليها. وتمنح بعض الدول الإقامة الدائمة لبعض رجال الأعمال والمستثمرين.

يُشار إلى أنه يوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وغيرها من الدول 3 قوانين أو 3 أنواع من الإقامة وهي الإقامة المؤقتة القصيرة للسياحة والعلاج في العادة، والثانية التي قد تستمر لسنوات وهي عادة ما تكون إقامات العمل والدراسة، أما الإقامة الثالثة فهي الإقامة الدائمة. وهناك نوع رابع يدخل في إطار الإقامات الدائمة وهي إقامة اللجوء السياسي ولها شروط وليس مجالنا الخوض فيها هنا.

المبحث الأخير في مقالنا هذا هو سحب الجنسية وإعادتها، والذي يُعد من الأمور الشائكة، التي أثارت جدلاً واسعاً وسجلاً طويلاً في المنظمات الدولية والمحاكم، وكُتبتْ فيها الكثير من المؤلفات والدراسات. وقد شرعت بعض الدول العربية هذا الموضوع وجعلته مقننا وبخاصة فيما يتعلق بعدم الجمع بين جنسيتين بحيث إذا حصل الشخص على جنسية أخرى غير جنسيته تسقط تلقائيا الجنسية الأولى. لكن الموضوع الذي ثار حول الجدل وشغل رجال القانون ومنظمات حقوق الإنسان هو موضوع سحب الجنسية بسبب عمليات التطهير العرقي أو الاحتلال القسري للدول كما حصل مع الشعب الفلسطيني بعد احتلال فلسطين، وسحب الجنسية من المعارضين السياسيين التي تستخدمه بعض الأنظمة أداة ضغط على المعارضين في الداخل والخارج.

ويعنى القانون الدولي الخاص بالبحث في قضايا سحب الجنسية التي فصل في مشروعيتها أو قانونيتها من عدمه. يُشار إلى أن أوروبا وأمريكا ودول العالم الأخرى لم تعرف قضايا سحب الجنسية في تاريخها الحديث، وعندما طرح في دول الاتحاد الأوربي موضوع سحب الجنسية عن المنتمين لـ"داعش"، فإنه طرح على استحياء ولاقى استهجانا ومعارضة شديدتين.

ولعل إعادة ملك إسبانيا مؤخرا الجنسية للموريسكين من اليهود فقط تُعد أحدث عملية سحب وإعادة جنسية في التاريخ؛ لأنه مضى على طرد الموريسكيين من المسلمين واليهود بعد سقوط الأندلس مئات السنين. وقد استثني من هذا القرار الموريسكين المسلمين الذين أثار هذا القرار حفيظة أحفادهم المنتشرين حول العالم واستنكارهم.

وفي مجال سحب الجنسية وإعادتها في الدول العربية، سنبدأ بالكويت لعدة أسباب منها: أن الكويت دولة خليجية بدأت فيها التجربة الديمقراطية منذ سنوات طويلة، وهي دولة ملكية دستورية إلى حد ما، لمجلس الأمة ومؤسسات الدولة فيها دور شبه فاعل تقريبا. والسبب الأهم هو أنه تمت إعادة الجنسية لعدد ممن سحبت جنسياتهم من قبل مجلس الوزراء بأحكام قضائية وتكاد تكون تجربة إعادة الجنسيات بأحكام قضائية تجربة فريدة ونادرة في العالم العربي تجدر الإشارة لها .

ومن أوائل الذين سُحبت عنهم الجنسية في الكويت الدكتور عبد الله النفيسي الذي سحبت عنه الجنسية عام 1978 بسبب كتابه "الكويت الرأي الآخر" ولانتقاده الأمير وحل البرلمان. وقد أعيدت إليه الجنسية بحكم قضائي في عام 1980.

وإذا انتقلنا إلى موضوع سحب الجنسية وإعادتها، فإن محطتنا الثانية هي مصر التي ربما قد تكون من أوائل الدول العربية فيما يخص موضوعنا هذا. وقبل الدخول في حالات سحب الجنسية وإعادتها، نود الإشارة إلى عدة نماذج نادرة لمنح الجنسية المصرية بصفة استثنائية بسبب اعتقادنا أن مصر من الدول الأكثر صعوبة في منح الجنسية لأسباب عديدة منها الأعداد الكبيرة التي تنتظر دورها في الجنسية والظروف الاقتصادية. وأول نماذجنا أو حالاتنا الدكتورة فاطمة سالم المعمري التي ولدت في زنجبار عام 1911 وانتقلت في طفولتها إلى مصر التي أكملت فيها معظم المراحل الدراسية إلى أن حصلت على الماجستير .ورشحها أستاذها الدكتور طه حسين لدراسة الدكتوراه في جامعة السوربون، ولأن البعثات كانت مقتصرة على المصريين فقد كان طه حسين يشغل منصب وزير التربية والتعليم فطلب لها استثناءً من مجلس الوزراء المصري للحصول على الجنسية، فحصلت عليها وسافرت إلى فرنسا عام 1951م.

وحصل على الجنسية المصرية كذلك محمد خان المولود في 26 أكتوبر 1942 والمتوفى 26 يوليو 2016، وهو المخرج السينمائي المصري البريطاني المولود لأب من أصل باكستاني وأم مصرية واسمه الكامل محمد حامد حسن خان، وحصل على الجنسية المصرية بعد طول انتظار ومطالبات استمرت لعشرات السنين حتى حصل عليها بأمر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل وفاته بسنوات قليلة (عام 2014). تجدر الإشارة إلى أن هناك 3 شخصيات فنية مصرية تحمل اسم (خان) الأول والأشهر المخرج الكبير أحمد بدر خان، وابنه المخرج علي بدر خان والزوج السابق للفنانة سعاد حسني ومحمد بدر خان مهندس الصوت المعروف وكلهم مصريون.

وصدر قانون جديد في مصر يسمح بمنح الجنسية المصرية لمن أمضى 5 سنوات بشرط قيامه بوضع وديعة قيمتها 350 ألف دولار. وقد حصل على الجنسية بموجب هذا القانون الملياردير السوري باسل سماقيه صاحب شركة كوتونيل(Cottonil) ، الذي تربطنا بوالده الملياردير السوري الحاج رضوان سماقيه صاحب مجموعة شركات الإمبراطور علاقة طيبة.

وسُحبت الجنسية في مصر في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر من الملك الفاروق وأفراد أسرته الذين غادروا معه إلى المنفى ومن عدد من المسؤولين في عهده. وقد أعاد الرئيس محمد أنور السادات الجنسية لعدد من أفراد عائلة الملك فاروق وسمح لهم بالعودة إلى مصر . كما أعاد الرئيس السادات الجنسية لمرتضى المراغي آخر وزير داخلية في عهد الملك فاروق، كما أشار إلى ذلك في مذكراته عن الملك فاروق .ومرتضى المراغي هو ابن الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر في عهد الملك أحمد فؤاد الأول وعهد الملك فاروق .

ومنح الرئيس عبد الفتاح السيسي الجنسية لأحمد فؤاد الثاني ابن الملك فاروق وكتب في جواز سفره (ملك مصر السابق)، كما تقدم أحمد فؤاد الثاني بطلب للرئيس السيسي يطلب منه منح أولاده الجنسية المصرية، وتمت الموافقة على ذلك .

أما في سلطنة عُمان فلم تُسحب الجنسية من أي مواطن على حد علمي، ما عدا حالة واحدة استثنائية وكانت من شخص مضى على حصوله على الجنسية مدة بسيطة (سنوات قليلة) ولم يلتزم بالشروط المُقررة لمنحه الجنسية، فما كان من السلطات المعنية إلا أن سحبت منه الجنسية لاعتبارات خاصة يعرفها أهل الاختصاص والمهتمون بالشأن العُماني.

تحدثت بعض القنوات ووسائل الإعلام عن دراسة إصدار جواز سفر صحي لحل مشكلة السفر جوا وفحوصات كورونا والحجر الصحي المتكرر، والواضح أن مشكلة جائحة كورونا التي اجتاحت العالم هي التي أفرزت هذه الفكرة .ونقلت بعض الصحف والقنوات الفضائية أن هناك ما يقرب من 200 ألف من السعوديين المولودين في الولايات المتحدة الأمريكية والحاصلين على الجنسية الأمريكية مطالبون بدفع الضرائب التي عليهم.ونود أن نُشير هنا إلى أن العالم ودول الخليج شهدا مرونة في منح الجنسية والإقامات الدائمة بسبب قلة أعداد طلبات التجنيس وتوفر الموارد. لكن مع قلة الموارد وتزايد أعداد طلبات التجنيس بدأ يظهر نوع من القيود والشروط والإجراءات المشددة لمنح الجنسيات والإقامات.

تعليق عبر الفيس بوك