خالد بن الصافي الحريبي
قُل لي ماذا تأكل؟ أقُل لك من أنت؛ هذه العِبارة البسيطة تبين لنا قيمة إحدى أهم النِعَم وهي عافيتنا وصحتنا برِزق الطعام الطيب الذي نُغذي به أجسامنا يومياً، وارتباط العقل السليم بالجسم السليم. يقول سبحانه وتعالى: "وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ" صدق الله العظيم (المائدة: 88).
ويذكرني موضوع الحلال الطيب بالدور المهم الذي يلعبه رُواد الحلال الطيب في الأمن الغذائي بصورة عامة، وفي عهد النهضة المتجددة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق أيده الله بصورة خاصة، ويرتكزعلى ثلاثة أسباب؛ أولاً: تأتي أهمية رواد الحلال الطيب ومؤسسات الأمن الغذائي الناشئة من ارتباط أعمالهم بعافيتنا وصحتنا وأمن الغذاء بالأمان والاستقرار؛ كما يُبين قوله تعالى "الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" صدق الله العظيم (قريش: 4). ثانيًا: تكمن أهمية أعمالهم في إسهامها في كل خطوة من خطوات سلسلة توريد احتياجاتنا من منتجات وخدمات غِذائنا. وثالثًا: مثل رُواد الحلال الطيب للاقتصاد كمثل طائر الكناري؛ فهذا الطائر الجميل العذب الصوت حباه الله بنعمة قدرته على استكشاف المخاطر في جودة الهواء الذي نستنشقه، لذا فإن عُمال التنقيب عن المعادن يصحبونه للاستكشاف المبكر عن الغازات السامة في المناجم. فكما أن الكناري الجميل يتنبأ لنا مبكراً عن مؤشرات تأثُر تنفسنا فإن رواد الحلال الطيب يتنبؤون للمجتمع مبكراً بمؤشرات تؤثر في كافة منظومة سلسلة التوريد والقيمة المحلية المضافة المرتبطة بالاقتصاد والتجارة في المجتمع.
فمن هم رواد الحلال الطيب؟ وما هي أفضل ممارسات الاستثمار فيهم؟ وكيف يمكن أن نطور خارطة استثمارية تُرشدنا لبناء العقل السليم في الجسم السليم؟ من هم رواد الحلال الطيب وما هي القيمة المحلية المضافة لأعمالهم؟
يمكن تعريف رواد الحلال الطيب بأنهم أصحاب الأعمال الناشئة الداخلة في سلسلة توريد احتياجاتنا الغذائية، والتي إذا أغلقت تداعى لها سائر جسد السوق بالسهر والحُمّى، ومنها أعمال المطاعم والمخابز والمقاهي والعربات المتنقلة والعصائر والأعمال المنزلية والباعة المتجولين. وعلاوة على أن هذه الأعمال تخدم بصورة مباشرة جميع العاملين فيها من شباب وكهول ونساء ومتقاعدين وذوي الدخل المحدود، فإن إسهامها في القيمة المحلية المضافة يشمل خمس مجالات. وهذه الخمس المجالات هي المؤشرات التي تسهم في صحة الاقتصاد والتجارة في أي مجتمع. وتبدأ بمصادر غِذائنا ومن أين يأتي؟ وخصوصا بعد أن تبين لنا ونحن نتعافى من هذه الجائحة أهمية تحري وإيلاء عناية قصوى بمعرفة ما نأكله والعناية بمزارعنا ومياهنا وثرواتنا الحيوانية والنباتية وغيرها من الخيرات. كما تؤثر أعمال الأمن الغذائي الناشئة في أعمال تخزين هذه المصادر بصورة سليمة، تمهيدا لتصنيعها وتحويلها وتغليفها، تمهيداً لعرضها علينا كزبائن، ومستهلكين، وصولا إلى أعمال توزيع هذه المنتجات سواء في المحلات أو عبر المتاجر الإلكترونية التي يتزايد الإقبال عليها بما يتناسب مع تطلعات الأجيال الناشئة، وتتناسب مع ظروف التعافي من الجائحة.
وحول أفضل ممارسات الاستثمار في رواد الحلال الطيب، فلا يوجد أدنى شك أن الروح الحُلوة وحُسن التعامل والقيادة والمنظر الجميل المُرتّب هو ما يجذب الناس للأماكن. وبحسب رأي الأصدقاء من خبراء ومحبي تطوير محلات المطاعم والمقاهي فإن الجمال الداخلي للمكان هو ما يجذب الزائر والمستثمر المحلي والخارجي ويُسهم في بناء مجتمع متعافٍ وسليمٍ ومطمئن. وقد استثمر دولة كوستاريكا في أمريكا الوسطى الغالي والنفيس لتكون المنارة العالمية التي يُشار إليها بالبنان في الحلال الطيب. فتبنت أكثر خطط التحفيز الاقتصادي جرأة في العالم وهي هوية "الحياة النقية Pura Vida"، وتشمل هوية الحياة النقية أن لا تقع عين الإنسان المحلي أو الزائر إلا على كل طيب وأن لا يتغذى إلا مما تجود به خيرات الأرض الخصبة التي ليس لها أضرار جانبية على الإنسان أو الطبيعة. كما تعني الحياة النقية استثمارياً أن تكون القيمة المحلية المضافة هي أساس الاقتصاد والتجارة، وأن تكون الأولوية دائما للمستثمرين والرواد الذين يستثمرون في ما تنتجه أرضهم الطيبة.
ولدولة سلوفينيا (اليوغسلافية سابقا)، والتي تقع في البلقان تجربة رائدة في مجال "التجارة العادلةFair Trade " التي تُحفز فيها الدولة والمجتمع المؤسسات الناشئة التي تُثبت أن كل أعمالها ومنتجاتها تُفيد الإنسانية ولا تضر البشر أو أيّاً من المخلوقات.
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد خصصت خطة تحفيز الاقتصاد حوالي 11 مليار أمريكي لمؤسسات الأمن الغذائي الناشئة (Restaurants Revitalization Fund). ويهدف هذا التحفيز إلى توفير سيولة مستدامة عبر تخصيص مبالغ القروض القابلة للسماح لـ11 بندا تشمل: أتمتة التشغيل والرواتب وأقساط البنوك والإيجار والقروض وفواتير الخدمات العامة والصيانة والتوسعة الخارجية وتوريدات الوقاية الصحية والنظافة وتكاليف الغذاء والموردين.
خارطة طريق الاستثمار في رواد الحلال الطيب
إن روادنا مُلهمون، وكل حديث قصير مع رواد المطاعم والمقاهي والعاملين من المنزل مدرسة في الاستفادة من خيرات الطبيعة وإدارة الأزمات وحُسن التعامل والتوازن في التعامل مع التطلعات الشخصية وتطلعات الأهل والأعمال والمجتمع. وأرى أن أجدى خارطة طريق هي عقد لقاء يهدف إلى التوصل لإتفاق بين مؤسسات الحلال الطيب والقائمين على الاستراتيجية العمرانية وخطة الأمن الغذائي واستراتيجية التجارة الإلكترونية وغرفة تجارة وصناعة عُمان.
جدير بالذكر أن فرع الغرفة بمحافظة ظفار سّن سنةً حسنة في هذا الاتجاه بإيصال صوت لجنة رواد الحلال الطيب من أصحاب المطاعم والمقاهي إلى بقية المؤسسات الحكومية والخاصة بهدف تبني مبادرات تعكس خارطة طريق جديدة تيّسر الإجراءات وتعزز أمن وسلامة غذائنا وتخفف أعباء الرسوم على المحلات وأصحاب العقارات وتخفف الإيجارات. كما يمكن للمهتمين أيضا الاطلاع- على سبيل المثال- على كتابات د. مهند العصفور عن مدرسة سوق السمك على ضفاف كورنيش مطرح.
لقد تعلمت الكثير عن سُنة التكيف مع التغيير ومؤشرات التعافي من طيور الكناري رواد الحلال الطيب ومؤسساتهم الناشئة كبسطة مجان وأسطول البُن وبُقعة الشاي والأخوات الـ7 وكافيه جي، وسالسا برجر، وهذه دعوة لنا جميعا للاستفادة من ظروفنا الحالية لتبني خارطة استثمارية تبني لنا اقتصاداً وتجارةً أكثر بركًة وقيمة محلية مضافة.
يقول ابن خلدون "إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونِحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو الاختلاف على الأيام والأزمنة وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأبصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول، سُنّة الله التي قد خلت".