مؤسف جدًا

 

جابر حسين العماني

Jaber.alomani14@gmail.com

 

 

مؤسف جداً ونحن نرى في كل صباح ومساء ضياع مجتمع وشتات أسر، هذا وعقارب الساعة تدور، والزمان يسير بنا حيث لا نعلم إلى أين المسير، ففي كل يوم يأخذنا فلاسفة الزمان من رواد التواصل الاجتماعي ومشاهير العالم، ممن نصبوا أنفسهم أوصياء على المُجتمع، إلى حيث جهات مجهولة، فترى الكثير منا يعيشون الأوهام والشتات ويُعانون الأمراض النفسية المزمنة، كالاكتئاب والقلق والوسواس القهري والتوترات والصدمات والكثير من مصائب ومصاعب الحياة.

اليوم عندما نُريد الوقوف على حال الكثير من تلك الأسر والمجتمعات، ما علينا سوى مشاهدة واقعها من خلال ما ينشر هنا وهناك، خصوصاً تلك الأسر التي يعمل فيها شريكا الحياة النهار بطوله وعرضه، وإذا عادا إلى الأسرة عادا منهكين متعبين، لا طاقة لهما لمراقبة أبنائهم والجلوس معهم، والاهتمام بهم والسؤال عنهم، أين ذهبوا؟ ومن رافقوا وصادقوا؟ وهل أكلوا وشربوا؟ وهل درسوا واجتهدوا؟ وهل تعلموا القيم والمبادئ الدينية والأخلاق الاجتماعية؟ أم نسوا تربية الآباء والأجداد واندثر كل شيء؟

اليوم علينا ألا نعجب ولا نتفاجأ ونحن نرى الكثير من أبنائنا وبناتنا يسيرون في عكس الاتجاه الصحيح، مبتعدين عن القيم والمبادئ الدينية والاجتماعية العظيمة، التي ورثناها من الآباء والأجداد، ذلك لأننا سمحنا لأبنائنا بتقليد سفهاء العالم من المشاهير في لبسهم وشربهم وأكلهم وكلامهم وقيمهم الضالة والمضلة، وأهملنا الرقابة في داخل نطاق الأسرة وخارجها، بل وسمحنا للتلفاز والإنترنت بتربية أولادنا وبناتنا تربية ضالة ومضلة، لا تعرف من الحياة إلا الفساد والإفساد، فصار أفراد الأسرة ضعفاء الشخصية فاقدين الثقة بالنفس، لا يعرفون إلا الأفكار المغلوطة والمعتقدات والثقافات الغريبة والدخيلة، التي لا تتوافق مع بيئتهم ومجتمعهم ودينهم وثقافتهم.

أما الآباء والأمهات الذين يجب أن تقع عليهم مسؤولية التربية الصالحة فقد انشغلوا كثيرًا بجمع المال الذي أنساهم أنفسهم ومسؤولياتهم الجسام تجاه الأسرة ومن فيها، لذا يتوجب على الآباء والأمهات أن يسألوا أنفسهم عند كل صباح ومساء: ما الفائدة من جمع المال وتخزينه إذا ضاعت الأخلاق والقيم والمبادئ النبيلة والحكيمة التي ينبغي أن تُزرع داخل الأسرة ويزين بها أفرادها؟

إنَّ الإسلام كان ولا زال يُحّمل الآباء والأمهات المسؤولية الشرعية والاجتماعية الكاملة في المحافظة على النفس والأهل من الانحراف والانحطاط، واتباع الغرائز، والابتعاد عن القيم الدينية والاجتماعية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}

وقال الإمام علي: "خَيرُ ما وَرَّثَ الآباءُ الأَبناءَ الأَدَبَ". وقال أيضاً: "إِنَّ النَّاسَ إِلَى صَالِحِ الْأَدَبِ أَحْوَجُ مِنْهُمْ إِلَى الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ". ومما نسب للإمام الحسين أنه قال: خَيْرُ مَا وَرَّثَ الرِّجَالُ بَنِيهِمُ // (أَدَبٌ صَالِحٌ) وَحُسْنُ الثَّنَاءِ هُوَ خَيْرٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالْأَوْرَاقِ فِي يَوْمِ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءِ تِلْكَ تَفْنَى وَ(الدِّينُ وَالْأَدَبُ الصَّالِحُ) لَا يَفْنَيَانِ حَتَّى اللِّقَاءِ.

ومن المؤسف جداً عندما نرى اليوم هناك من يسعى لصناعة الأسرة والمجتمع بلا هوية تذكر، أو هدف سامٍ يسعى لتحقيقه المربون، فتجدهم منغمسين في حب الدنيا وبقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها وملذاتها، وكأنما الدنيا خُلقت للأكل وجني المال فقط لا غير.

ومن المؤسف جداً عندما يشارك الأبناء في مجموعات فاسدة ومنحطة من خلال برامج التواصل الاجتماعي بلا رقابة ومحاسبة من الوالدين.

 ومن المؤسف جداً عندما يدخل رفقاء السوء إلى بيوتنا، ويسحبون أبناءنا إلى حيث يريدون، والآباء والأمهات منشغلين بأعمالهم، وسفراتهم، وزياراتهم، واهتماماتهم الأخرى، لا يسألون عن أبنائهم وتربيتهم، بل ولا يمنحونهم نظرة رحيمة رؤوفة يستحقونها، متناسين أن أبناءهم هم فلذات أكبادهم، بل تجد الكثير من الآباء والأمهات وضعوا اعتمادهم الأكبر على الخدم ووسائل التواصل في تربية أولادهم وتنشئتهم، حتى تجد الكثير من الأبناء نسوا حتى لغتهم العربية وصاروا يتحدثون بلغات دخيلة على المجتمع العربي.

إن انشغال الآباء والأمهات عن الأبناء، وغيابهم المستمر عنهم، وإعطاء الخادمة مسؤولية الرقابة، أو تركهم لشأنهم تحت شعار الحرية الشخصية، فإن ذلك يؤدي إلى تدهور الأسرة وضياعها وتفككها، لذا لابد للآباء والأمهات خلق الكثير من الجسور الودية بينهم وبين أبنائهم، وزرع الحب والمودة والترابط في جميع زوايا الأسرة الواحدة لضمان صلاح الأبناء .

علينا اليوم برمجة عقولنا من جديد، وإصلاح ما فسد في حياتنا الأسرية والاجتماعية.. علينا أن نستيقظ من غفلتنا التي جعلتنا نسير في اتجاه مظلم لا يؤدي بنا إلا لكثير من المفاسد والمتاعب الحياتية.. علينا القيام بواجباتنا الأسرية والاجتماعية، كل بحسب طاقته واستطاعته وإمكانياته، بهدف خلق أسرة عظيمة ومجتمع أعظم، قادراً على مواجهة الفساد والإفساد، محافظاً على عاداته وتقاليده وقيمه الدينية والاجتماعية التي تربى عليها ونهلها من الآباء والأجداد.